الركن الأول : الإيمان بالله
الركن الثاني : الإيمان بالملائكة
الركن الثالث: الإيمان بالكتب
الركن الرابع: الإيمان بالرسل
الركن الخامس الإيمان باليوم الآخر
الركن السادس: الإيمان بالقضاء والقدر
الركن الأول : الإيمان بالله
الإيمان بالله يعني: أن تؤمن بأن الله رب هذا الكون وخالقه ومدبره، وهو الذي يجب أن تصرف له جميع العبادات وحده لا شريك له، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا التي تليق بجلاله وعظمته. وعلى هذا فإن الإيمان بالله تعالى يشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة: أ- توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله وهو: الإقرار بأن الله هو وحده الخالق للعالم، وأنه الرب الرازق المدبر المحيي المميت النافع الضار.. إلى غير ذلك من خصائص الربوبية. والإقرار بهذا النوع من التوحيد مركوز ومستقر في فطر البشر ولا ينازع فيه أحد من الناس إلا الشواذ والنوادر المكابرون، حتى إن المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بهذا النوع من التوحيد. قال عز وجل: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } [يونس: 31]. وقال عز وجل: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون } [الزخرف: 87]. تنبيه مهم: لا يكفي أن يؤمن الإنسان بهذا النوع من التوحيد حتى يُسلم ويدخل في الدين؛ بل لابد له من الإيمان بالأنواع الثلاثة كلها وخاصة توحيد الألوهية كما سيأتي. ب- توحيد الألوهية: توحيد العبادة. وهو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا التوحيد هو الذي من أجله خلق الجن والإنس. كما قال عز وجل: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات: 56]. قال ابن عباس: "يعبدون : يوحدون ". وهذا التوحيد هو الذي من أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب، قال عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [النحل: 36]. وقال عز وجل:{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [الأنبياء: 25]. هذا التوحيد هو الذي بعث من أجله النبي صلى الله عليه وسلم، وظل في مكة ثلاثة عشر عاماً لا يدعو إلا إليه، وربّى أصحابه على معرفته والتعمق في معانيه، قال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم ) رواه أحمد، وقال العراقي: إسناده صحيح. هذا التوحيد هو الذي تحصل به النجاة يوم القيامة، وأي عبد يأتي يوم القيامة وهو غير موحد لربه في عبادته، فإنه من أهل النار الخالدين فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة ) رواه البخاري ومسلم. هذا التوحيد معناه العملي: أنك لا تدعو إلا الله، ولا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا من الله، ولا تخشى إلا الله، ولا تتوكل إلا على الله، ولا تصلي إلا لله، ولا تصوم إلا لله، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، سواء كان لحي أو ميت، لنبي أو لولي، فقد هدم توحيده ووقع في الشرك الأكبر. هذا التوحيد هو أول ما يجب على الداعية المسلم أن يعلم الناس أحكامه، وهذا هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي ربّى عليه أصحابه حينما كان يرسلهم للدعوة إلى الله. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّه ) وفي رواية: (إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى ) رواه البخاري ومسلم. فالدعوة إلى توحيد العبادة هي أول شيء يجب أن ندعو الناس إليه؛ هذا التوحيد هو أساس قوة الأمة ونصرها على أعدائها، وبغير هذا التوحيد لن تستطيع أن تهزم أعداءها، أو أن تمتنع منهم. ولاخيار لها إن أرادت البقاء قوية عزيزة إلا أن تتربى عليه وتربي أجيالها. قال عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [النور: 55]. وسوف نتكلم بالتفصيل عن أهم مسائله، كالشهادتين ومعناهما وشروطهما ونواقضها، وما يضاد توحيد العبادة من الشرك ووسائله وأنواعه وأحكامه، وغير ذلك في مباحث قادمة إن شاء الله. ج- توحيد الأسماء والصفات: وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل. قال الله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } [الأعراف: 180]. وقال سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11]. الأسس التي قام عليها مذهب أهل السنة والجماعة في باب توحيد الأسماء والصفات: 1. أسماء الله وصفاته توقيفية: يعني أنه لا يجوز لأحد أن يسمي الله، أو يصفه بشيء لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ولا ينفي عن الله اسماً ولا صفةً لم يرد نفيها في الكتاب ولا في السنة. 2. أن ما وصف الله به نفسه فهو حق يُحمل على حقيقته، ليس فيه ألغاز ولا غموض؛ بل معناه معروف للجاهل والمتعلم؛ فمثلاً: الله سميع عليم، أي: له سمع وله علم يليق به سبحانه وتعالى؛ لأننا نعرف معنى السمع ومعنى البصر ومعنى العلم، ولكن لا نعلم كيف هي، لكننا نجزم بأنها لا تشابه سمع المخلوقات ولا علمهم ولا بصرهم. 3. أن إثبات صفات الله إثبات بلا تمثيل، لأن الله ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفواً أحد، لأننا إذا قلنا: إن الله لا يشبه المخلوقات، فكذلك صفاته سبحانه لا تشبه صفات المخلوقات. 4. أن الله منزه عن النقائص والعيوب، ومالا يليق به سبحانه، ولكن لا ننفي عنه ما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله بحجة تنزيه الله عن النقائص والعيوب، كما فعل أصحاب البدع. 5. أن أي صفة أو اسم ينسب لله سبحانه لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يجوز نسبته لله سبحانه، ولا يجوز نفيه عن الله؛ بل ينظر إلى معناه، فإن كان حقاً يليق به سبحانه أثبتنا المعنى ولم نثبت اللفظ؛ لأن اللفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة؛ ولأن العقل لا يدرك صفات الله سبحانه استقلالاً لأنها غيب عنا لم نرها. 6. أن أسماء الله سبحانه لا حصر لها بعدد معين، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ ) رواه أحمد، وحسنه النووي. 7. أن أسماء الله التي يمكن حصرها وليس حصراً لجميعها: تسعة وتسعون (99) اسما لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة ) رواه البخاري ومسلم. ولم يصح عن النبي صلى الله عليه حديث في تعداد أسماء الله كلها، ولكن ورد حديث ضعيف عند الترمذي لا تقوم به الحجة، وقد اجتهد العلماء في حصرها وجمعها من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله حتى ينالوا هذا الأجر العظيم. * تعداد أسماء الله الحسنى: 1. الله 2. الأحد 3. الأعلى 4. الأكرم 5. الإله 6. الأول 7. الآخر 8. الظاهر 9. الباطن 10. البارئ 11. البر 12. البصير 13. التواب 14. الجبار 15. الحافظ 16. الحسيب 17. الحفيظ 18. الحفي 19. الحي 20. القيوم 21. الخبير 22. الخالق 23. الخلاق 24.الرؤوف 25. الرحمن 26. الرحيم 27. الرزاق 28. الرقيب 29. السلام 30. السميع 31. الشاكر 32. الشكور 33. الشهيد 34. الصمد 35. العالم 36. العزيز 37. العظيم 38. العفو 39. العليم 40. العلي 41. الغفار 42.الغفور 43. الغني 44. الفتاح 45. القادر46. القاهر 47. القدوس 48. القدير 49. القريب 50. القوي 51. القهار 52. الكبير 53. الكريم 54. اللطيف 55. المؤمن 56. المتعالي 57.المتكبر 58. المتين 59. المجيب 60. المجيد 61. المحيط 62. المصور 63. المقتدر 64. المقيت 65. الملك 66. المليك 67. المولى 68. المهيمن 69. النصير 70. الواحد 71. الوارث 72. الواسع 73. الودود 74. الوكيل 75. الولي 76. الوهاب 77. الجميل 78. الجواد 79. الحكم 80. الحيي 81. الرب 82. الرفيق 83. السبوح 84. السيد 85. الشافي 86. الطيب 87. القابض 88. الباسط 89. المقدم 90. المؤخر 91. المحسن 92.المعطي 93. المنان 94. الوتر 95. الحق 96. المبين 97. الحكيم 98. الحليم 99. الحميد. 8. الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته لا يجوز وهو محرم، ومنه ما يكون كفراً، لقوله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } [لأعراف: 180]. والإلحاد فيها هو الميل بها عما يجب فيها، وهو أنواع: النوع الأول: أن ينكر شيئاً من أسمائه أو صفاته التي جاءت في القرآن أو السنة، كما فعل أصحاب البدع. وكان هذا إلحاداً لأن الإيمان بها وبما دلت عليه واجب فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها. النوع الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشبه صفات المخلوقين كما فعل بعض أصحاب البدع، والله عز وجل يقول: {ليس كمثله شيء } [الشورى: 11]. النوع الثالث: أن يسمي الله سبحانه بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له أباً. سبحانه وتعالى عما يقولون. النوع الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام كما فعل المشركون في اشتقاقهم اسم صنمهم العزى من العزيز، واللات من الإله. وهذا باطل وإلحاد في أسمائه سبحانه. * المخالفون لأهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات: والمخالفون لأهل السنة والجماعة في هذا الباب ثلاث طوائف: 1 - المشبهة 2 - نفاة الصفات 3 - أهل التفويض 1. المشبهة: الذين شبهوا الله بخلقه، وقالوا: إن صفاته تشبه صفات المخلوقين. والسبب في ذلك غلوهم في إثبات هذه الصفات، فقالوا: علم الله كعلم المخلوقين، ويد الله كيد المخلوقين. وخالفوا قول الله عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11]، وقوله عز وجل:{ولم يكن له كفواً أحد } [الإخلاص: 4]. وهؤلاء شابهوا عباد الأصنام، لأنهم شبهوا الله وجعلوا له صورة في خيالهم وفكرهم، فكأنهم عبدوا هذا الخيال، وشابهوا النصارى الذين عبدوا المسيح ابن مريم وجعلوا له صنماً. وما أحسن ما قاله ابن القيم رحمه الله: لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابـد الأوثـانمن مثل الله العظيم بخلقه فهو نسيب المشرك النصراني 2. نفاة الصفات: وهم القسم المقابل الذين نفوا صفات الله التي جاءت في الكتاب والسنة، وهؤلاء أنواع: أ- منهم من نفى جميع أسماء الله وصفاته، كالجهمية أتباع الجهم بن صفوان (قتله خالد القسري يوم الأضحى سنة 128 ) وهي طائفة من غلاة طوائف أهل البدع. ب- ومنهم من نفى جميع صفات الله، وأثبت جميع الأسماء، كالمعتزلة الذين يقولون مثلاً اسم الله السميع، ولكن لا نصفه بأن له سمعاً فأثبتوا الاسم ونفوا الصفة. ج- وطائفة ثالثة أثبتت جميع الأسماء ونفت بعض الصفات وليس كلها. فمثلاً الأشاعرة يثبتون سبع صفات وينفون باقي الصفات. والماتريدية يثبتون ثمان صفات وينفون الباقي، وهذا خلاف مادل عليه الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. 3. أهل التفويض أو أهل التجهيل: الذين قالوا إن نصوص الصفات ألفاظ لا نعقل معانيها، ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها، ولكن نقرؤها. ولاشك أن هذا اتهام للأنبياء والصحابة بأنهم كانوا يسمعون ويتلون آيات الله وهم جاهلون بمعانيها. وأيضاً فإن الله عز وجل خاطبنا بخطاب نعقله ونفهمه، ولم يخاطبنا بشيء لا نعلمه، فالله سبحانه أثبت لنفسه سمعاً وبصراً، فنحن نعلم معنى السمع والبصر حقيقةً، ولكن لا نعلم كيفيته، فنثبت لله السمع والبصر حقيقةً، ونقول كيفية هذه الصفة الله أعلم بها. وهؤلاء المفوضة يقولون الله سميع و بصير، ولكن لا نعلم ما معنى السمع ولا معنى البصر، بل هي ألفاظ غير معقولة المعاني، وهذا قدح في بلاغة القرآن وبلاغة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يبلغ رسالته حق البلاغ، والعياذ بالله. آثار الإيمان بالله على الفرد والمجتمع: 1. إن أي فرد دخل الإيمان قلبه فهو يعيش في سعادة واطمئنان وراحة بال، لا يعلم قدرها إلا من فقدها. وما هو مشاهد ومسموع في المجتمعات الكافرة من القلق وكثرة الانتحارات من أكبر الأدلة على عظم نعمة الإيمان والهداية لهذا الدين، قال عز وجل: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلالٍ مبين } [الزمر: 22]. 2. إن أساس الأمن والرخاء وسعة الرزق هو الإيمان بالله تعالى، لأن الخوف من الله رادع للبشر عن الاعتداء والظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وكذلك من استشعر عظمة الله وقدرته وبطشه وانتقامه خاف منه، فيصبح المجتمع المؤمن بالله في صفاء ونقاء من الجرائم والاعتداء والاغتصاب. 3. إن الإيمان بالله والاهتداء بهذا الدين هو أساس الحضارة والتقدم؛ لأن الله جعل من القربات والطاعات التي يحرص عليها المؤمن عمارة الأرض والسعي فيها لعزة المسلمين وقوتهم، فهو دين وإيمان يدعو للعمل والتكاتف ويدعو للعلم والتعلم. وما نراه اليوم في واقع المسلمين مما يخالف ذلك فالإسلام ليس مسؤولا عنه، بل هو بريء منه، وما أصابنا نحن المسلمين فبما كسبت أيدينا، بسبب بعدنا عن الشرع المطهر وإعراضنا عن الاحتكام إليه. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. الركن الثاني : الإيمان بالملائكة
الملائكة: هي أجسام لطيفة أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات وخلقت من نور. معنى الإيمان بالملائكة: هو التصديق الجازم بأن لله ملائكة موجودين حقيقة مخلوقين من نور. وأنهم كما وصفهم الله عز وجل: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [الأنبياء: 19-20]. ولا يحصي عددهم إلا الله تعالى، وأنهم معصومون من المعاصي. وجوب الإيمان بهم: يجب الإيمان بهم، ولا يصح إيمان العبد إلا بعد الإيمان بهم، ومن لم يؤمن بهم ولا بوجودهم فهو كافر بنص القرآن، قال عز وجل: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً } [النساء: 136]. ويجب الإيمان بهم إجمالاً كما ورد في الآيات، ومفصلاً لمن ورد تعيينهم في القرآن والسنة كجبريل وميكال، كما قال الله عز وجل: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } [البقرة: 97-98]. بعض صفاتهم وخلقهم وعباداتهم وقدراتهم: أولاً: أنهم خلقوا من نور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ) رواه مسلم في الصحيح. ثانياً: أن خلقهم عظيم، قال الله عز وجل: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [التحريم: 6]. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنْ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ ). رواه أحمد، وقال ابن كثير: إسناده جيد. وقال رسول الله صلى الله: (أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ ) رواه أبوداود، وصححه الألباني. ثالثاً: هم أهل العبادة الدائمة، قال الله عز وجل عنهم: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [الأنبياء: 20]. وعن حكيم بن حزام رضى الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه في أصحابه إذ قال لهم: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِد ) رواه أحمد واللفظ له، والترمذي وقال: حديث حسن غريب. الآثار المترتبة على الإيمان بالملائكة: 1- استشعار عظمة الله لما يعلم من عظمة مخلوقاته كالملائكة. 2- دوام المراقبة لله سبحانه والبعد عن كل ما يغضب الله، إذا علم أن لله ملائكة يكتبون على المرء جميع أعماله، كما قال عز وجل: {كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون } [الانفطار: 11-12]. وكما قال عز وجل: {ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد } [ق: 18]. 3- الاجتهاد والجد في العبادة دون كللٍ ولا ملل،ٍ إذا علم أن من مخلوقات الله من يعبد الله ليلاً ونهاراً لا يفتر عن ذلك، كالملائكة: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [الأنبياء: 20]. الركن الثالث: الإيمان بالكتب
قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً } [النساء: 136]. وقال عز وجل: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [البقرة: 136]. وقال عز وجل: {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير } [الشورى: 15]. يتضمن الإيمان بالكتب عدة أمور: 1- التصديق الجازم بأنها كلها منزلة من عند الله على رسله إلى عباده بالحق المبين والهدى المستبين، كما شاء على الوجه المراد. 2- الإيمان بكل ما فيها من الشرائع، وأن الانقياد التام لها والحكم بما فيها كان واجباً على الأمم الذين أنزلت إليهم، قال الله عز وجل: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [المائدة: 44]. 3- أن جميعها يصدق بعضها بعضاً ولا يكذبه. كما قال عز وجل عن نبيه عيسى عليه السلام أنه قال لقومه: {إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة } [الصف: 6]. وقال سبحانه: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله } [المائدة: 48]. 4- أن كل من كذب بشيء منها أو أبى الانقياد لها يكفر بذلك، كما قال عز وجل: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين } [الأعراف: 40]. 5- أن نسخ الكتب الأولى بعضها ببعض حق، كما نسخت بعض شرائع التوارة بالإنجيل، وكما نسخ كثير من شرائع التوراة والإنجيل بالقرآن، وأن نسخ بعض آيات القرآن الكريم حق. 6- الإيمان بكتب الله عز وجل يجب إجمالاً فيما أجمل وتفصيلاً فيما فصل، فقد سمى الله من كتبه التوراة على موسى؛ والإنجيل على عيسى؛ والزبور على داود؛ والقرآن على محمد صلى الله عليه وذكر صحف إبراهيم وموسى. 7- أن القرآن آخر الكتب المنزلة وخاتمها؛ لا يأتي كتاب بعده، ولا تغيير ولا تبديل لشيء من شرائعه. 8- الإيمان بأن القرآن كامل من عند الله ليس فيه نقص ولا تحريف، وأن الله تكفل بحفظه إلى آخر الزمان، قال عز وجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر: 9]. وأنه كلام الله عز وجل، وصفة من صفاته، منزل على نبيه، متعبد بتلاوته، غير مخلوق، وسوف يرفع في آخر الزمان فينزع من صدور الناس ويختفي، وبعدها يكون قيام الساعة. 9- ليس لأحد الخروج عن شيء من أحكام القرآن الكريم، وأن من كذب بشيء منه من أتباع الديانات السابقة فقد كذب بكتابه، كما أن من كذب بما أخبر عنه القرآن من الكتب فقد كذب به، وأن من اتبع غير سبيله ولم يقتف أثره فقد ضل، قال عز وجل: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } [طـه: 124]. 10- لابد في الإيمان بالقرآن الكريم من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والوقوف عند حدوده، وعدم هجر تلاوته، والذب عنه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل
تمهيد: مما يجب الإيمان به أن الله سبحانه أرسل رسلاً وأنبياء إلى أقوامهم، مبشرين ومنذرين من آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيما } [النساء: 165]. ومن كفر بواحد منهم كفر بجميعهم، قال عز وجل: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً } [النساء: 150]. وأساس دعوتهم وزبدة رسالتهم هو توحيد الله وإفراده بالعبادة، قال عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمةً رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [النحل: 36]. ولكن لم يهملوا جوانب الحياة الأخرى؛ بل كذلك أرسلهم الله لإصلاح حياة الناس وتنظيمها وتهذيبها. تعريف النبي: في لغة العرب: مأخوذ من النبأ وهو الخبر، فكأن النبي مخبر عن الله. ومأخوذ من النبوَة، وهو ما ارتفع من الأرض، فكأن النبي أرفع الناس قدراً. تعريف الرسول: في اللغة: مأخوذ من الإرسال والتتابع، وسموا رسلاً، لأن الله أرسلهم متتابعين، رسولاً بعد رسول، واحداً بعد واحد. قال عز وجل: {ثم أرسلنا رسلنا تتراً } [المؤمنون: 44]. الفرق بين النبي والرسول: الرسول: هو من أوحي إليه بشرع جديد. والنبي: هو المبعوث لتقرير شرع من قبله من الرسل. عدد الأنبياء والرسل: جاء في القرآن الكريم ذكر خمسة وعشرين نبياً ورسولاً، وأما في السنة فقد جاء حديث صحيح يبين عددهم من غير ذكر أسمائهم. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَال: (مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا ) رواه أحمد وصححه الألباني. ما تميز به الأنبياء والرسل عن سائر البشر: 1- الوحي: قال عز وجل: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } [فصلت: 6]. 2- العصمة: فالأنبياء معصومون من الخطأ والنسيان والغفلة في تبليغ رسالات الله للبشر، وكذلك هم معصومون من الكبائر دون صغائر الذنوب على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وإن أخطأوا فى اجتهاد لم يقروا عليه، بل ينزل القرآن لتصويبهم. قال تعالى: {عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * ومايدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى } [عبس: 1-4]. 3- الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنـّا معشر الأنبِياء تنَام أعيُنُنَا ولَا تنَام قُلُوبُنَا ) ورد في الجامع الصغير، وصححه السيوطي والألباني، وأصله في الصحيحين.4- تخيير الأنبياء عند الموت: قال صلى الله عليه وسلم: (مَامِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) رواه البخاري. 5- لا تأكل الأرض أجسادهم بعد الموت: قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام ) رواه أبوداود، والنسائي واللفظ له، وصححه الألباني. 6- أنهم أحياء في قبورهم: ولكنها حياة لا نعلم كيفيتها، قال صلى الله عليه وسلم: (الْأَنْبِيَاء أَحْيَاء فِي قُبُورهمْ يُصَلُّونَ ) رواه أبو يعلى، وصححه الألباني.الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم: هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله، وهذه الشهادة وهذا الإيمان يتضمن أموراً عظيمة لابد من بيانها ومعرفتها والعمل بها: 1- الإيمان به وبرسالته، وأنه نبي مرسل من عند الله. قال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل } [النساء:136]. وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار ) رواه البخاري ومسلم. 2- تصديقه فيما أخبر؛ سواء كان شيئاً غيبياً أو شيئاً مشاهداً. قال عز وجل: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } [النجم: 3-4]. 3- طاعته فيما أمر: قال عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر:7]. وقال تبارك وتعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } [النور: 63]. وقال عز وجل: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [التغابن: 12]. 4- تعظيم أمره صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على أي قول: قال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } [الحجرات: 1]. وقال عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [الأحزاب: 36]. 5- التحاكم إلى سنته وشريعته والتسليم لها: قال عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } [النساء: 65]. وقال عز وجل: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } [النساء: 59]. وقال عز وجل: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } [النور: 51]. 6- نشر سنته والدعوة إليها وإحياؤها: قال صلى الله عليه وسلم: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار ) متفق عليه. وقال أيضا: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْه ) رواه الترمذي وأبوداود، وقال الترمذي: حديث حسن. وقال أيضا: (مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعده كُتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء ) رواه مسلم. والمراد بذلك من أحيا سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم نسيها الناس ولم يعملوا بها، أو جهلوها فعلمهم إياها. 7- الاعتقاد بأنه خاتم الرسل: قال عز وجل: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } [الأحزاب: 40]. وقال صلى الله عليه وسلم: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ ) رواه مسلم. وقال أيضا: (إنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ) رواه أحمد و أبو داود. وقال أيضا: (أَنَا الْعَاقِبُ، والعاقب الَّذِي لَيْسَ بَعْده نَبِي ) رواه مسلم. ومن اعتقد أنه سيبعث بعد نبي الله أحد فهو كافر مكذب بالكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 8- الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم: فهي عامة للإنس والجن ولجميع الناس إلى آخر الزمان، قال عز وجل: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً } [سبأ: 28]. وقال صلى الله عليه وسلم: (وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. فرسالته صلى الله عليه وسلم ليست خاصة بالعرب مثلاً، وليست خاصة بالبيض دون السود أو العكس؛ بل هي للناس كافة. 9- توقيره واحترامه: قال عز وجل: {لتعزروه وتوقروه } [الفتح: 9]. وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } [الحجرات: 2]. 10- عدم الغلو فيه صلى الله عليه وسلم فوق منزلته: من الإيمان به عدم رفعه فوق المنزلة التي أنزله الله عز وجل، فهو سيد ولد آدم وأفضل البشر، ولكنه ليس بإله، ولا يدعى من دون الله، ولا يجوز إعطاؤه صفات الربوبية كالخلق والرزق، أو أن بيده تدبير الكون كما يزعم غلاة المتصوفة، الذين غلوا فيه وخالفوا وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُوله ) رواه البخاري. 11- الصلاة والسلام عليه عند ذكره: قال عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } [الأحزاب: 56]. وقال صلى الله عليه وسلم: (الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ صلى الله عليه وسلم ) رواه أحمد، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب. وقال أيضا: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صلى الله عليه بها عَشْراً ) رواه مسلم. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. حاجة البشرية للرسالات السماوية: الرسالة ضرورية للعباد، لابد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد مالم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها وروحها، فهو في ظلمة وهو من الأموات، قال الله عز وجل: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } [الأنعام: 122]. فهذا وصف المؤمن، كان ميتاً في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نوراً يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب تائه في الظلمات.
الركن الخامس الإيمان باليوم الآخر .
ويشتمل على ما يلي :الموت حتم لازم لامناص منه لكل حي من المخلوقات قال -عز وجل-: {كل شيءٍ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} القصص (88).وقال -عز وجل-: {كل نفسٍ ذائقة الموت} آل عمران (185).ولو نجا من الموت أحد لنجا منه الرسول "صلى الله عليه وسلم " قال -عز وجل-: {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر (30).والموت له أجل محدود فكل مخلوق مكتوب أجله، في أي ساعة وفي أي مكان وعلى أي حالة سوف يموت.قال -عز وجل-: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً} آل عمران (145).والموت أعظم واعظ، نسأل الله أن يختم لنا بخاتمة الخير والإيمان.ومما يجب الإيمان به أن هناك حياة برزخية في القبر إما نعيم للمؤمنين، وإما عذاب على الكافرين والمجرمين. قال "صلى الله عليه وسلم": (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ)، رواه الترمذي.واسمع إلى نبيك "صلى الله عليه وسلم" وهو يحدثك ماذا يحدث للإنسان بعد موته، سواء كان مطيعاً أو عاصياً،قال "صلى الله عليه وسلم": (اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ. قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ ـ يَعْنِي بِهَا ـ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَال:َ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَه:ُ مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُول: رَبِّيَ اللَّه.ُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُول: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَه: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَه:ُ مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُول:ُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُول: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ. قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ثُمَّ قَرَأَ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُول:ُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُول:ُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَه: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ. فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَة)، رواه أحمد وأصحاب السنن.*معنى الساعة في الاصطلاح الشرعي :الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وسميت بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفاجأ الناس في ساعة، فيموت الخلق كلهم بصيحة واحدة.فأشراط الساعة:هي علامات القيامة التي تسبقها وتدل على قربها. وقيل: هي ما تنكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة.*أقسام أشراط الساعة:تنقسم أشراط الساعة إلى قسمين:أ- أشراط صغرى ب-أشراط كبرى .أ- أشراط صغرى:وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من نوع المعتاد؛ كقبض العلم؛ وظهور الجهل؛ وشرب الخمر؛ والتطاول في البنيان ونحوها، وقد يظهر بعضها مصاحباً للأشراط الكبرى أو بعدها.ب- أشراط كبرى:وهي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة، وتكون غير معتادة الوقوع، كظهور الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج مأجوج، وطلوع الشمس من مغربها .بعض أشراط الساعة الصغرى:أشراط الساعة الصغرى التي ذكرها العلماء كثيرة جداً، وقد ذكرنا هنا منها ما ثبت بالسنة أنه من أشراط الساعة الصغرى .1 - بعث النبي "صلى الله عليه وسلم":أخبر " صلى الله عليه وسلم " أن بعثته دليل على قرب قيام الساعة، وأنه نبي الساعة، ففي الحديث عن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ) ويشير بإصبعيه فيمدهما. رواه البخاري .2 - موت النبي "صلى الله عليه وسلم":من أشراط الساعة: موت النبي "صلى الله عليه وسلم"، ففي الحديث عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة....-وذكر منها-:ِ مَوْتِي)، رواه البخاري .3 - فتح بيت المقدس:ومن أشراط الساعة: فتح بيت المقدس، فقد جاء في الحديث عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم": ( اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ - وذكر منها-: فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)، رواه البخاري.4 - طاعون عمواس :جاء في حديث عوف بن مالك السابق قوله "صلى الله عليه وسلم ": (اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ - وذكر منها -: مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَم)، رواه البخاري .5 - ظهور الفتن من المشرق:أكثر الفتن التي ظهرت في المسلمين كان منبعها من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان، وهذا مطابق لما أخبر به نبي الرحمة "صلى الله عليه وسلم"، فقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وهو مستقبل المشرق يقول :( الْفِتْنَةُ هَا هُنَا الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ أَوْ قَالَ قَرْنُ الشَّمْسِ)، رواه الشيخان.6 - ظهور مدعي النبوة:ومن العلامات التي ظهرت :خروج الكذابين الذين يدعون النبوة وهم قريب من ثلاثين كذاباً وقد خرج بعضهم في الزمن النبوي وفي عهد الصحابة ولا يزالون يظهرون، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (َلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ)، رواه البخاري.7 - قبض العلم وظهور الجهل:ومن أشراطها قبض العلم وفشو الجهل ، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " :( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا)، رواه البخاري. والمراد بالعلم هنا علم الكتاب والسنة، وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السلام، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وبذهابهم يذهب العلم وتموت السنن وتظهر البدع ويعم الجهل.8 - التطاول في البنيان:هذا من العلامات التي ظهرت قريباً من عصر النبوة، وانتشرت بعد ذلك حتى تباهى الناس في العمران وزخرفة البيوت، وذلك أن الدنيا بسطت على المسلمين، وكثرت الأموال في أيديهم بعد الفتوحات، وامتد بهم الزمان حتى ركن كثير منهم إلى الدنيا.روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ -وذكر منها-:حَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ).9 - تقارب الأسواق:عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَيَتَقَارَبَ الْأَسْوَاقُ)، مسند أحمد .10 - كثرة الزلازل:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " : (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ)، رواه البخاري.قال ابن حجر: "قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل، ولكن يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها".11 - كثرة الشرط وأعوان الظلمة:روى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ أَوْ قَالَ يَخْرُجُ رِجَالٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَعَهُمْ أَسْيَاطٌ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ الْبَقَرِ، يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِي غَضَبِهِ).وفي رواية للطبراني في الكبير: (سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون من بطانتهم).12 - انتشار الزنا:ومن العلامات التي ظهرت فشو الزنا وكثرته بين الناس، فقد أخبر النبي "صلى الله عليه وسلم" بأن ذلك من أشراط الساعة، ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)، رواه ابن ماجه.13 - انتشار الربا والمال الحرام:ومنها ظهور الربا وانتشاره بين الناس، وعدم المبالاة بأكل الحرام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قال: (بين يدي الساعة يظهر الربا)، روه الطبراني.وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " قال :( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ).14 - زخرفة المساجد والتباهي بها:ومنها زخرفة المساجد ونقشها والتفاخر بها، فقد روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ)، روه النسائي.قال البخاري : "قال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، فالتباهي بها العناية بزخرفتها. قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى".15 - حسر نهر الفرات عن جبل من ذهب :عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ. وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو)، رواه البخاري ومسلم.16 - قتال اليهود:روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُود)، رواه البخاري ومسلم.
أشراط الساعة الكبرى1 - المهدي :في آخر الزمان يخرج رجل من أهل البيت يؤيد الله به الدين؛ يملك سبع سنين ؛ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد؛ وهذا الرجل اسمه كاسم رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، واسم أبيه كاسم أبي النبي "صلى الله عليه وسلم"، فيكون اسمه: محمد أو أحمد بن عبدالله، وهو من ذرية فاطمة بنت رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، ثم من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم. ويكون ظهور المهدي من قبل المشرق. قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ النَّاسِ وَزَلَازِلَ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، يَقْسِمُ الْمَالَ صِحَاحًا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا صِحَاحًا؟ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِنًى وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ حَتَّى يَأْمُرَ مُنَادِيًا فَيُنَادِي فَيَقُولُ: مَنْ لَهُ فِي مَالٍ حَاجَةٌ؟ فَمَا يَقُومُ مِنْ النَّاسِ إِلَّا رَجُلٌ. فَيَقُولُ: ائْتِ السَّدَّانَ يَعْنِي الْخَازِنَ. فَقُلْ لَهُ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُعْطِيَنِي مَالًا: فَيَقُولُ لَهُ: احْثِ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ وَأَبْرَزَهُ نَدِمَ. فَيَقُولُ: كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْسًا أَوَعَجَزَ عَنِّي مَا وَسِعَهُمْ. قَالَ: فَيَرُدُّهُ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ. فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّا لَا نَأْخُذُ شَيْئًا أَعْطَيْنَاهُ، فَيَكُونُ كَذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ أَوْ قَالَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ)، رواه أحمد.2 - المسيح الدجال:الدجال رجل من بني آدم ،له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث لتعريف الناس به،وتحذيرهم من شره، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون؛ فلا يفتنون به؛ بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق "صلى الله عليه وسلم"؛ وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس، فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة؛ نسأل الله العافية؛ ومن هذه الصفات أنه رجل شاب أجم، قصير أفحج، جعد الرأس أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى؛ وهذه العين ليست بناتـئة؛ ولا جحراء كأنها عنبة طافـئة، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة؛ ومكتوب بين عينه (ك ف ر ) بالحروف المقطوعة؛ يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب. ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له. والدليل على ظهور الدجال: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ذكر الدجال بين ظهراني الناس؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ)، رواه البخاري.وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال " صلى الله عليه وسلم " : (مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ)، رواه البخاري.3 - نزول عيسى عليه السلام:بعد خروج الدجال وإفساده في الأرض يبعث الله عيسى عليه السلام فينزل إلى الأرض ويكون نزوله عند المنارة البيضاء بشرقي دمشق الشام، وعليه مهرودتان، والمعنى لابس مهرودتين أي ثوبين مصبوغين بورس زعفران، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا ومات، ونفسه ينتهي حتى ينتهي طرفه، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق وتكون مجتمعة لقتال الدجال، فينزل وقت إقامة الصلاة ويصلي خلف أمير تلك الطائفة.4 - خروج يأجوج ومأجوج:وأصل يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم وحواء عليهما السلام، والذي يدل على أنهم من ذرية آدم عليه السلام عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وأنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً).أما صفتهم التي جاءت بها الأحاديث: فهي أنهم يشبهون أبناء جنسهم من الترك المغول، صغار العيون، ذلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة على أشكال الترك و ألوانهم. قال الله -عز وجل-: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلةٍ من هذا بل كنا ظالمين} الأنبياء (96 - 97).عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (دخل عليها يوماً فزعاً يقول: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)، رواه البخاري.5 - الخسوفات الثلاثه:يقال: خسف المكان يخسف خسوفاً إذا ذهب في الأرض؛ وغاب فيها، ومنه قوله -عز وجل-: {فخسفنا به وبداره الأرض} القصص (81).و الأدلة من السنة: عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال:( لَنْ تَكُونَ أَوْ لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهَا عَشْرُ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ، وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالدَّجَّالُ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَالدُّخَان،ُ وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَآخِرُ ذَلِكَ تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ )، رواه مسلم.6 - الدخان :ظهور الدخان في آخر الزمان من علامات الساعة الكبرى التي دل عليها الكتاب والسنة.*الأدلة من القرآن الكريم :قال عز وجل: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخانٍ مبينٍ يغشى الناس هذا عذاب أليم} الدخان (10-11).*الأدلة من السنة : عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال:(بَادِرُوا بِالْأَعْمالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ). رواه مسلم.وهذا الدخان من الآيات المنتظرة؛ التي لم تجيء بعد، وسيقع قرب قيام الساعة، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس وبعض الصحابة.7 - طلوع الشمس من مغربها:طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى، وهو ثابت بالكتاب والسنة.الأدلة من الكتاب: قال عز وجل: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون} الأنعام(158).ومن الحديث النبوي الشريف: عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ)، رواه مسلم.8 - الدابة:ظهور دابّة الأرض في آخر الزمان علامة على قرب الساعة ثابت بالكتاب والسنة.أدلة من القرآن الكريم : قال عز وجل: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل (82) .فهذه الآية الكريمة جاء فيها ذكر خروج الدابة، وأن ذلك يكون عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك.أدلة من الحديث النبوي : عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ)، رواه مسلم.9 - النار التي تحشر الناس:جاءت الروايات بأن خروج هذه النار يكون من اليمن؛ من قعر عدن؛ وتخرج من بحر حضرموت؛ كما جاء في روايات أخرى، وإليك طائفة من الأحاديث التي تبين مكان خروج هذه النار؛ وهي من الأدلة على ظهورها. جاء في حديث حذيفة بن أسيد: (قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ. فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ).وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" (سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ). قال أحمد شاكر: "إسناده صحيح". الجنة والنار موجودتان الآن، وهما مخلوقتان، ولا تفنيان ولا تبيدان. وصف النار: 1- خزنة النار: يقوم عليها ملائكة غلاظ شداد، بأسهم شديد، قال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [التحريم: 6]. وعددهم تسعة عشر قال عز وجل: {عليها تسعة عشر } [المدثر: 30]. 2- أهل النار: أ- المخلدون فيها الذين لا يخرجون منها، هم الكفار الذين كفروا أو أشركوا بالله سبحانه وتعالى. قال عز وجل: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 39]. وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ خُلُودٌ ) متفق عليه، واللفظ للبخاري. ب- العصاة: وهم أهل الكبائر من المؤمنين، والذين لم يتوبوا ولم يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء يعذبون على قدر ذنوبهم ثم يخرجون منها. 3- طعام أهل النار وشرابهم: طعامهم الضريع والزقوم: فالضريع: شوك نبات معروف، وهو لا يفيد أهل النار ولا يشبعهم، وأكله نوع من أنواع العذاب. قال عز وجل: {ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع } [الغاشية: 6-7]. والزقوم: هي شجرة خبيثة تقطع أمعاءهم وتغلي في بطونهم، طلعها كأنه رؤوس الشياطين. قال عز وجل: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم } [الدخان: 43-46]. وقال عز وجل: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [الصافات: 64-65]. عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَه ) قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح. شرابهم:الغساق والغسلين والحميم. أما الغساق والغسلين: فهو ما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم في النار. قال عز وجل: {فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين } [الحاقة: 35-36]. وقال عز وجل: {هذا فليذوقوه حميم وغساق } [ص: 57]. وقال عز وجل: {وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم } [محمد: 15]. 4- أبواب النار: أخبر الحق أن للنار سبعة أبواب فقال عز وجل: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم } [الحجر: 43-44]. وعندما يرد الكفار النار تفتح أبوابها ثم يدخلونها خالدين: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } [الزمر: 71]. وبعد هذا الإقرار يقال لهم: {قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } [الزمر: 72]. 5- وقود النار: الأحجار والفجرة الكفار وقود النار، كما قال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } [التحريم: 6]. وقال عز وجل: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } [البقرة: 24]. وصف الجنة قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر )، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }) [السجدة: 17]. رواه البخاري. ومن دخلها فلا يخرج منها، وهو خالد مخلد فيها، قال عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً } [الكهف: 107-108]. 1- أعظم نعيم في الجنة: أعظم نعيم في الجنة هو النظر إلى وجه الله عز وجل، وهي اللذة التي لا توازيها لذة، والنعيم الذي ليس فوقه نعيم، قال عز وجل: {وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة } [القيامة: 22-23]. وقال عز وجل: {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد } [ق: 35]. والزيادة هي: النظر إلى وجه الله تعالى. وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تثبت أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة بأبصارهم، ومن هذه الأحاديث: عن صهيب قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {للذين أحسنوا الحسنى و زيادة } قال: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه مسلم. 2- الأوائل في دخول الجنة: أول البشر دخولاً الجنة على الإطلاق هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأول الأمم دخولاً الجنة أمته، وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتِي بَابَ الْجَنةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُول: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ، لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَك ) رواه مسلم. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ دُخُولًا الْجَنَّة ) رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي ) رواه أبوداود، وقال الألباني ضعيف. 3- الذين يدخلون الجنة بغير حساب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَة، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ هَؤُلَاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَة ) رواه البخاري. 4- آخر من يدخل الجنة: عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى. فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّة.َ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى. فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى. فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يَقُولُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ) رواه البخاري ومسلم. 5- أبواب الجنة: للجنة أبواب يدخل منها المؤمنون كما يدخل منها الملائكة، قال عز وجل: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب } [سورة ص: 50]. وقال عز وجل: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [الرعد: 24]. وأخبرنا الحق سبحانه وتعالى أن هذه الأبواب تفتح عندما يصل المؤمنون إليها، وتستقبلهم الملائكة محيية بسلامة الوصول: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } [الزمر: 73]. وعدد أبواب الجنة ثمانية، وأحد هذه الأبواب يسمى الريان، وهو خاص بالصائمين، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُون ). وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) رواه مسلم. 6- تربة الجنة: وعن أنس بن مالك عن أبي ذر في حديث المعراج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْك ) رواه البخاري ومسلم. 7- أنهار الجنة: أخبرنا الله عز وجل بأن الجنة تجري من تحتها الأنهار: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار } [البقرة: 25]. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّة ) رواه مسلم. ومن أنهار الجنة الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إنا أعطيناك الكوثر } [الكوثر: 1]. وقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم وحدثنا عنه، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عُرِضَ لِي نَهْرٌ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ قُلْتُ لِلْمَلَكِ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ، قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى طِينَةٍ فَاسْتَخْرَجَ مِسْكًا ). وأنهار الجنة ليست ماء فحسب، بل منها الماء، ومنها اللبن، ومنها الخمر، ومنها العسل المصفى. قال عز وجل: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى } [محمد: 15]. 8- قصور الجنة وخيامها: يبني الله لأهل الجنة في الجنة مساكن طيـبة حسنة، كما قال عز وجل: {ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم } [الصف: 12]. وقد سمى الله في مواضع من كتابه هذه المساكن بالغرفات، قال الله عز وجل: {وهم في الغرفات آمنون } [سبأ: 37]. وقال في جزاء عباد الرحمن: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحيةً وسلاما } [الفرقان: 75]. وقال عز وجل واصفاً هذه الغرفات: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد } [الزمر: 20]. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام ) صحيح رواه الترمذي، وحسنه الألباني. وقد أخبرنا سبحانه أن في الجنة خياماً، قال عز وجل: {حور مقصورات في الخيام } [الرحمن: 72]. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ) رواه مسلم9- طعام أهل الجنة وشرابهم: وفي الجنة ماتشتهيه الأنفس من المآكل، قال عز وجل: {وفاكهة مما يتخيرون. ولحم طيرٍ مما يشتهون } [الواقعة: 20-21]. وقال: {كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية } [الحاقة: 24]. قال عز وجل: {إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً } [الإنسان: 5-6]. وقال عز وجل: {ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً عيناً فيها تسمى سلسبيلاً } [الإنسان: 17-18]. وقال: {ومزاجه من تسنيم عيناً يشرب بها المقربون } [المطففين: 27-28]. وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم أول قدومه المدينة أسئلة منها: مَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ َزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ ). 10- لباس أهل الجنة وحليهم ومباخرهم: أهل الجنة يلبسون فيها الفاخر من اللباس، ويتزينون فيها بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ، فمن لباسهم الحرير، ومن حليهم أساور الذهب والفضة واللؤلؤ، قال عز وجل: {وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً } [الإنسان: 12]. وقال: {يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير } [الحج: 23]. وقال: {أولئك لهم جنات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقاً } [الكهف: 31]. وقال: {عليهم ثياب سندسٍ خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضةٍ } [الإنسان: 21]. وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن لأهل الجنة أمشاطاً من الذهب والفضة، وأنهم يتبخرون بعود الطيب مع أن روائح المسك تفوح من أبدانهم الزاكية، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة الذين يدخلون الجنة: (إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ الْأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاء ). أ- زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة: إذا دخل المؤمن الجنة فإن كانت زوجته صالحة فإنها تكون زوجته في الجنة أيضا. قال عز وجل: {جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } [الرعد: 23]. وهم في الجنات منعمون مع الأزواج يتكئون في ظـلال الجنة مسـرورين فرحين. قال عز وجل: {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون } [يس: 56]. وقال: {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } [الزخرف: 70]. ب- المرأة لآخر أزواجها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها ) رواه الطبراني، وصححه السيوطي والألباني. وثبت أن حذيفة قال لزوجته: (إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا ). رواه البيهقي في سننه. ج- الحور العين: يزوج الله عز وجل المؤمنين في الجنة بزوجات جميلات غير زوجاتهم اللواتي في الدنيا، كما قال عز وجل: {كذلك وزوجنهم بحورٍ عينٍ } [الدخان: 53]. والحور: جمع حوراء، وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السواد. والعين: جمع عيناء، والعيناء:هي واسعة العين. وقد وصف القرآن الحور العين بأنهن كواعب أتراب، قال عز وجل: {إن للمتقين مفازاً حدآئق وأعنباً وكواعب أتراباً } [النبأ:31-33]. والكاعب المرأة الجميلة التي برز ثدياها، والأتراب المتقاربات في السن. والحور العين من خلق الله في الجنة، أنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكاراً، عرباً أتراباً، قال عز وجل: {إنآ أنشأنهن إنشاءً فجعلنهن أبكاراً عرباً أتراباً } [الواقعة: 35-37]. وكونهن أبكاراً يقضي أنه لم ينكحهن قبلهم أحد، كما قال عز وجل: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولاجان } [الرحمن: 56]. وقد حدثنا القرآن عن جمـال نساء الجنة، فقال عز وجل: {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون } [الواقعة: 22-23]. والمراد بالمكنون: المخفي المصون، الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشمس، ولا عبث الأيدي، وشبههن في موضع آخر بالياقوت والمرجان، قال عز وجل: {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولاجان فبأي آلآء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان } [الرحمن: 56-58]. والياقوت والمرجان حجران كريمان فيهما جمال، ولهما منظر حسن بديع، وانظر إلى هذا الجمال الذي يحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم هل تجد له نظيرا مما تعرف؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) رواه البخاري. وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحور العين في الجنان يغنين بأصوات جميلة عذبة، وجاء بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقُرّة أعيان، وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنه ) رواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وصححه السيوطي. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، قَالَ: يَقُلْنَ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبأس،ُ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَط،ُ طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَه ) رواه الترمذي وقال: غريب، وضعفه الألباني. الركن السادس: الإيمان بالقضاء والقدر
1- معنى القضاء والقدر: المراد أن الله عز وجل علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن حكمته وإرادته وعلمه، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ عنده. 2- وجوب الإيمان القدر: لاشك أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ومن لم يؤمن به فهو خارج عن الإسلام، والأدلة على وجوب الإيمان به كثيرة منها: أ- قال الله عز وجل: {إنا كل شيء خلقناه بقدر } [القمر: 49]. ب- وقال عز وجل: {وخلق كل شيء فقدره تقديراً } [الفرقان: 2]. ج- وقال سبحانه: {وكان أمر الله قدراً مقدوراً } [الأحزاب: 38]. د- حديث جبريل المشهور وفيه: (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّه ). متفق عليه. هـ- وجاء عند الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه ) رواه الترمذي، وصححه الألباني. و- قال صلى الله عليه وسلم: (لايُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَر ) رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني. 3- بعض القواعد المهمة : 1. أن الله عالم بكل شيء، ولا يخفى عليه مثقال ذرة، وكل مافي الكون واقع بعلمه سبحانه وتعالى. 2. أن الله عز وجل لا يمكن أن يحدث شيء في ملكه من غير إرادته، بل كل ما في الكون بإرادته من خير وشر. 3. أن ما قدر الله سبحانه من خير وشر لحكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها، فهو أحكم الحاكمين. 4. أن الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة وهو أرحم بالعباد من أمهاتهم وآبائهم، فما قدر فهو رحمة بهم. 5. أن الله يفعل في خلقه وملكه ما يشاء، ولا يسأله أحد: لم فعل كذا؟ لأنه ملكه، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء. 6. أن كل ما ورد في باب القضاء والقدر نؤمن به ونسلم، وإن عجزت عقولنا عن فهمه بل نسكت عنه، لأنه سر الله عز وجل في خلقه. 7. أن الله عز وجل حكم عدل، وقد حرم الظلم على نفسه، قال عز وجل: {ولا يظلم ربك أحداً } [الكهف: 49]. فهو أعدل العادلين، فما قضى وقدر فهو عدل منه بعباده. 8. أن الله عز وجل لا يقدر شراً محضاً -يعني شراً خالصاً لا خير معه - وإن كان في نظر البشر شراً ولكن وراءه من الخير ما لايعلمه إلاّ الله عز وجل قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء: (وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْك ) جزء من حديث أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. 9. أن كل من قدرعليه العذاب فبعدله سبحانه وتعالى، ومن قدر عليه النعيم والرحمة فذلك فضل ورحمة منه، قال عز وجل:{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } [المائدة: 54]. 4- أنواع التقادير والأدلة على ذلك: التقدير الأول: تقدير المقادير قبل خلق السموات والأرض. قال الله عز وجل: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } [الحديد: 22]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه مسلم. التقدير الثاني: عند أخذ الميثاق على بني آدم. قال الله عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } [الأعراف: 172]. التقدير الثالث: التقدير العمري. وذلك حينما يكون الجنين في بطن أمه. عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَه:ُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري. التقدير الرابع: التقدير السنوي . وهو ما يكون في ليلة القدر من كل سنة. قال الله عز وجل: {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمرٍ حكيم } [الدخان: 1-4]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحجاج يحج فلان ويحج فلان ". التقدير الخامس: التقدير اليومي . قال الله عز وجل: {يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن } [الرحمن: 29]. روى ابن جرير الطبري عن منيب بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله هذه الآية، فقلنا يا رسول الله وما ذاك الشأن؟ قال: ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قَالَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا وَيَرْفَعَ قَوْمًا وَيَخْفِضَ آخَرِين )". 5- مراتب القضاء والقدر: المرتبة الأولى: العلم:{وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو } [الأنعام: 59]. وقالعز وجل: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة } [سبأ: 3]. وقال عز وجل: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } [الطلاق: 12]. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ )" متفق عليه. والمقصود الإيمان بهذه المرتبة العظيمة، وهي: علم الله الشامل المحيط بكل شيء، السابق لكل شيء. يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم الموجود والمعدوم والممكن والمستحيل. المرتبة الثانية: الكتابة: وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمرتبة الأولى (العلم ) لأن الله تعالى بعد أن بيّن أنه عالم بكل شيء، خلق القلم فأمره بكتابة كل شيءٍ كائن إلى يوم القيامة. والعلماء يجعلون مرتبة العلم والكتابة مرتبة واحدة. ومن أدلة هذه المرتبة من القرآن قوله عز وجل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء }[الأنعام: 38]. وقوله سبحانه: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } [الحج: 70]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ) رواه مسلم. المرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة . وهذه المرتبة قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند الله، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه، أن المشيئة لله وحده فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. هذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به، والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الأدلة من القرآن: قوله عز وجل: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ...} [البقرة: 253]. وقوله سبحانه: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } [يونس: 99]. وقوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } [التكوير: 29]. الأدلة من السنة: جاء في صحيح البخاري من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَةً، فَقَالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ). وفي صحيح البخاري في قصة نومهم في الوادي قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ ) فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّؤوا إلى أن طلعت الشمس فقام فصلى. وجاء في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه في بعض الأمر، فقال الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت "، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله عدلاً، بل ما شاء الله وحده ). رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. أنواع الإرادة:1- إرادة كونية قدرية: وهي إرادة مرادفة للمشيئة. وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء، فكل ما في هذا الكون فبإرادته سبحانه، فالطاعات والمعاصي والكفر، كله بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية. قال عز وجل: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } [الأنعام: 125]. وقال عز وجل: {وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مرد له } [الرعد: 11]. وقال عز وجل: {فعال لما يريد } [البروج: 16]. وهي بمعنى المحبة، فهي تتضمن محبة الله ورضاه، وتتضمن شرعه الذي شرعه الله على ألسنة رسله، فكل ما أمر الله به فهو يريده من العباد ديناً وشرعاً. فهو يحب ويريد من عباده الطاعات، ويبغض ولايريد منهم المعاصي. قال عز وجل: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة: 185]. وقال: {والله يريد أن يتوب عليكم } [النساء: 27]. وقال: {وما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } [المائدة: 6]. وقال: {ولا يرضى لعباده الكفر } [الزمر: 7]. المرتبة الرابعة: الخلق. والمقصود بهذه المرتبة أن نعلم أن كل ما قدره الله سبحانه في اللوح المحفوظ فهو مخلوق، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة. قال عز وجل: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء } [الأنعام: 102]. وقال عز وجل: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } [الزمر: 62]. وقال عز وجل: {والله خلقكم وما تعملون } [الصافات: 96]. وفي هذه الآية دليل على أن الله خلق العباد وأفعالهم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّه يَصْنَع كُلّ صَانِع وَصَنْعَته ) رواه البخاري في خلق أفعال العباد، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح.
أضف تعليق:
0 comments: