المدعو
عالمية الرسالة:
رسالة الإسلام رسالة للعالمين قال تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} (الأعراف:158).. وقال تعالى: {لأنذركم به، ومن بلغ} (الأنعام:19).. وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً} (سبأ:28)..
وقـال تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} (الفرقان:1) ومن أجل ذلك فالبشر جميعاً مدعون إلى هذا الدين، والناس جميعاً هم أمة الدعـوة الذين أرسل إليهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .
أقسام الناس حيال رسالة الإسلام:
جاء الإسلام بنسخ جميع الشرائع السماوية التي قبله، ووجوب دخول اليهود والنصارى في شريعة الله المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم، واتباعه في القليل والكثير.. وقد انقسم الناس بعد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قسمين:
* قسم آمن به واتبع ما جاء به من الهدى والنور..
* وقسم كفر بالإسلام وجحد ما أنزل الله على رسوله..
وهذا القسم الأخير افترقوا فريقين: كفار معلنين لكفرهم، وكفار تظاهروا بالإسلام، وأضمروا الكفر، وقد سماهم القرآن بالمنافقين..
وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الأحكام التي يجب اتباعها مع كل قسم من هذه الأقسام، ورسم رسـول الله صلى الله عليه وسلم السياسة الشرعية الواجبة في دعوة هذه الأقسام إلى الله وكيفية التعامل مع كل قسم منهم.
وهذه هي الأصول العامة والسياسة الشرعية في الدعوة والمعاملة مع هذه الأقسام:
أولاً: الأصول الشرعية في دعوة الكفار الأصليين للإسلام:
من الكفار الأصليين من بلغه دعوة الإسلام على الوجه الصحيح، ومنهم بلغته دعوة الإسلام بصورة مشوهة، ومنهم من لم تبلغه دعوة الإسلام..
ومن الكفار الأصليين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، والوثنيون والمجوس وغيرهم من أتباع هذه الملل الكثيرة، ومنهم من لا ينتمي لدين أصلاً.
والأصول التي يجب اتباعها مع هؤلاء جميعاً هي:
1) إبلاغ دعوة الإسلام على وجهها الصحيح بلاغاً يقطع العذر:
الأصل الأول في دعوة المسلمين إلى الإسلام أن يبلغوا هذه الدعوة على وجهها الصحيح بلاغاً يقطع العذر كما جاءت في كتاب الله وسنة رسـوله صلى الله عليه وسلم، ولا تقوم الحجة عليهم إلا بهذا.. قال تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} (المائدة:67).. وقال تعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} (النور:54)..
ولا يكون البلاغ مبيناً قاطعاً للعذر إلا:
أ) إذا فهموه بلغتهم أو تمكنوا من العربية تمكناً يجعلهم يفهمون معانيها كما قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (إبراهيم:4)..
فالواجب على أمة الإسلام الذين أخرجهم الله للناس أن يبلغوهم دين الله باللسان الذي يفهمونه ثم يعلموهم العربية ليفهموا عن الله ورسوله..
قال شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "أما بالنسبة إلى ولاة الأمور، ومن لهم القدرة الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار حسب الإمكان بالطرق الممكنة وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/17).
ب) إبطال شبهات الكفار، ودفع باطلهم:
ويجب أن تدحض كل حجج الكفار وشبهاتهم حول دينهم الباطل، وكل دين غير الإسـلام فباطل كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} (الأنبياء:18).. وقال تعالى: {قل فلله الحجة البالغة} (الأنعام:149).. وقال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً} (الفرقان:33)..
ومن أجل ذلك أبطل الله في القرآن كل ما احتج به الكفار على اختلاف عقائدهـم في احتجاجهم لدينهم الباطل، فقد رد الله على اليهود مزاعمهم، وعلى النصارى ضلالهم وشبههم، وعلى مشركي العـرب في جميع ما عارضوا به الإسلام، وعلى ما احتجوا به على ما هم عليه من الشرك والضلال.
لا يبدأ مع الكافر الأصلي إلا بالتوحيد ثم الأهم فالأهم:
يجب البدء مع الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلام بالتوحيد لأنه أساس الدين، وجميع الأحكام ترجع إليه، ولا يصح العمل الصالح إلا به ولذلك كان كل رسول أول ما يدعو قومه يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وتعالى.
إذ هو الفارق بين المسلم والكافر، وجميع أعمال الدين ترجع إلى التوحيد، وتبنى عليه، فلا يصح عمل صالح للعبد إلا بتحقيق التوحيد لله، وجميع الأعمال الصالحة تكون باطلة إذا لم يكن فاعلها موحـداً لله سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا في عمل المشركين والكفار: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب} (النور:39)..
وقال تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد} (إبراهيم:18).
وقال تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر:65)..
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل عندما أرسله داعياً إلى أهل اليمن أن يبدأ بالتوحيد ثم بالصلاة، ثم بالزكاة فقد قال صلى الله عليه وسلم: [إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهـم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا، فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس] (متفق عليه).
قال ابن حجر في الفتح: "بدأ بالشهادتين لأنهما أصل الدين، الذي لا يصح شيء إلا بهما، فمن كان غير موحـد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحداً فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار والوحدانية".
وقال: "يبدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع لأول مرة لم يأمن النفرة" (الفتح 3/357).
3) عرض الدعوة على الكفار باللين، والحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالحسنى:
في مقام عرض دعوة الإسلام على الكفار، وإن كانوا من المجرمين العتاة، والجبابرة الطغاة يجب اتخاذ اللين والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى سبيلاً إلى عرض الدعوة، والدليل على هذا وصية الله لموسى وهارون أن يعرضا الدعوة على فرعون باللين.. قال تعالى: {إذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } (طه:43-44).
فمع طغيانه وقتله لذكور بني إسرائيل،واستحيائه لنساءهم، وسومهم رسولهم سوء العذاب إلا أن الله أمر الرسول عليه السلام أن يكون ليناً في عرض الدعوة عليه، ولعل اللين أن ينفعه فيتذكر ويخشى.
وقـال تعالى أيضاً :{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل:125).. وقال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} (العنكبوت:46).
4) وجوب رد إساءتهم وعدم السكوت على طعنهم في الدين:
لا يجوز للداعي إلى الله الذي يعرض دعوته باللين والحكمة على الكفار أن يأخذ جانب اللين مع الذين يردون رداً سيئاً، ويطعنون في الدين الحق، ويسبون رسول الله، أو يعيبون شريعة الله، بل يجب الرد المناسب عليهم والانتصار منهم لقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} (العنكبوت:46).
فالظالمون منهم يجب الرد بما يتناسب مع هجومهم وتهجمهم على الإسلام وطعنهم فيه. قال تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} (الشورى:39).. ولذلك جاء في كثير من آيات القرآن الرد والزجر الشديد على المعاندين من الكفار: كبيان فضائحهم، وكشف مخازيهم ووصفهم بفقدان العقل والفهم، والاستهزاء بحالهم ومآلهم، وتحقير آلهتهم، وتهديدهم بعذاب الدنيا والآخرة.
قبول الكافر أخاً في الإسلام مهما سلف منه في الكفر:
يجب أن يقبل الكافر أخاً في الدين إذا انتقل من الكفر إلى الإسلام، فلا يعير بدينه السابق، ولا بما كان عليه من الكفر والشرك، ولا يذكر بماضيه إلا أن يكون على وجه حمد الله وشكره وفضله عليه كما قال تعالى عن المشركين: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين، ونفصل الآيات لقوم يعلمون} (التوبة:11).
* أصول في دعوة المرتد:
المرتد: هو كل من رجع عن الإسلام بعد دخوله فيه، وللمرتد أحكام خاصة في الدعوة منها:
1) لا حكم بالردة إلا من عالم بالإسلام:
لا يجوز الحكم على مسلم بالردة إلا إذا أعلن بنفسه هو أنه راجع عن الإسلام أو أن يكون قوله أو فعله كفراً مخرجاً من الملة، ولا يحكم عليه بالردة إلا عالم بالإسلام وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: [من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه] (متفق عليه)..
يجب التفريق بين مقالة الكفر والكافر:
ليس كل من وقع في الكفر يكون كافراً فربما وقع جهلاً أو تأولاً ولذلك يجب الرد على المخالف، وإقامة الحجة بيان المقالة الخاطئة، دون الحكم على قائلها حتى يتبين أنه قد اختار الكفر، أو أقيمت عليه الحجة البالغة التي تقطع عذره..
* أصول في دعوة المنافق:
المنافق: هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهذه بعض الأصول الشرعية في دعوته للإسلام:
1) لا يحكم على شخص أنه منافق نفاقاً اعتقادياً إلا ببرهان لا يقبل النقض أنه يبطن الكفر، ويظهر الإسلام كذباً..
2) المنافق يدعى إلى الإسلام، ويوعظ ،ويذكر بالله، ويجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، ويغلظ عليه عند مخالفة الأمر الشرعي. قال تعالى:{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} (النساء:6) {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} (التوبة:73).
قال ابن كثير: "قال تعالى {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية فاكتف به يا محمد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، ولهذا قــال له {فأعرض عنهم} أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم {وعظهم} أي واتهمهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر {وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم".
ثانياً: الدعوة بين المسلمين:
للدعوة إلى الله بين المسلمين ميدانان هما:
أ) التربية والتعليم.
ب) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولكل ميدان من هذين الميدانين أصوله وقواعده.
أ) قواعد في التربية على الإسلام وتعليمه:
التربية وهي التزكية والتعليم، هي مهمة النبي في المؤمنين قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2)..
والتربية هي تنشأة الإنسان وبناؤه.. قال رسول صلى الله عليه وسلم: [ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه] (متفق عليه).
وهذه أهم قواعد التربية والتزكية:
1) تصور النموذج المثالي للإنسان الكامل والعبد الصالح:
يجب أولاً أن يتضح أمام المربي والمعلم النموذج والمثال الذي يجب أن يربى على غراره، وهذا النموذج قد جاء وصفه التفصيلي في آيات كثيرة من كتاب الله سبحانه وتعالى منها أول سـورة المؤمنون.. قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون* والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون* والذين هم على صلواتهم يحافظون} (المؤمنون:1-9).
وفي غيرها من سور القرآن كمطلع سورة البقرة، والآيات الأولى من سورة الأنفال، وسورة الحجرات بكمالها، والآيات من سورة الإسـراء من قوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} (الإسراء:22) إلى قوله: {ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً} (الإسراء:39)..
ولا شك أن القرآن كله قد فصل صفات النموذج الطيب للمؤمن الصالح الذي يحبه الله ويرضاه..
وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل والنموذج والقدوة والأسوة الذي أمر المسلمون جميعاً بالتأسي به {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب:21)..
فهو النموذج الكامل للتأسي، وقد كان خلقه القرآن كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: [كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن] (رواه أبو داود والنسائي).
وكذلك صور القرآن النماذج السيئة من المجرمين والكافرين والمنافقين. قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} (الأنعام:55)..
أضف تعليق:
0 comments: