Navigation

مفهوم الإيمان بالله وحقيقته


مفهوم الإيمان


إنّ قضيّة تحرير مصطلح الإيمان، وبيان حقيقة مفهومه، قد نالت عناية أهل العلم سلفًا وخلفًا، وشغلت قسمًا كبيرًا من كتب الاعتقاد، ومِنْ أهل العلم مَنْ أفردها بالتصنيف، لما لبيان حقيقة مفهوم الإيمان من أهمية كبيرة، والتي يمكن إيجازها في أمرين:

  • أنّ بيان المفهوم الصحيح هو سبيل المؤمن ليصل إلى الإيمان الذي يرضي به الله تعالى، ويسير به على نهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلف الأمّة، والتخبّط في فهم حقيقته منزلق للانحراف عن سبيل وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-  والسلف الصالح.
  • أنّ الفكرة الجوهرية، والمفصل الأساس، والمفرق الذي تشعّبت منه طرق أهل البدع عامّة، والخوارج والمرجئة خاصّة، وتلوث به المعتزلة والشيعة، هو الفهم الخاطئ لمفهوم الإيمان، فمفهوم الإيمان يُبنى عليه مفهوم الكفر، والخلل في الأول يلزم منه الخلل في الثاني، ولهذا كان لا بد في علاج ظاهرة ومرض التكفير -الذي عصف بالأمة وجرَّ عليها الشرّ والدمار- من الرجوع لتصحيح وعلاج مفهوم الإيمان، وهذا ما يسعى هذا البحث لبيانه إن شاء الله تعالى.
    وقد جاء هذا البحث في خمسة مطالب، على النحو التالي:
    • المطلب الأول: أنواع الدلالة.
    • المطلب الثاني: المفهوم اللغوي للإيمان.
    • المطلب الثالث: المفهوم الشرعي للإيمان.
    • المطلب الرابع: منزلة الإيمان العملي في حقيقة الإيمان الشرعي.
    • المطلب الخامس: مفهوم الإيمان عند الفرق الأخرى.

     المطلب الأول: أنواع الدلالة
    ثبت بالاستقراء أنّ الدلالات ثلاثة أنواع: دلالة لغوية، ودلالة شرعية، ودلالة عرفية،
    قال ابن تيمية: "ومما ينبغي أن يُعلمَ أنّ الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عُرف تفسيرها وما أُريد بها من جهة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم، ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع: نوع يُعرف حدّه بالشرع كالصلاة والزكاة، ونوع يُعرف حدّه باللغة كالشمس والقمر، ونوع يُعرف حدّه بالعُرف كلفظ القبض ولفظ المعروف في قوله: ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾، ونحو ذلك"[ 1 ]

    فإذا أردنا فهم كلمة في القرآن والسنة فلا بدّ من فهمهما وفق دلالتها الشرعية، إن كان الشرع قد أعطاها دلالة خاصة، لأنّ دلالتها الشرعية هي مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم، قال ابن تيمية بعد كلامه السابق في أنواع الأسماء: "فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحجّ ونحو ذلك قد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يراد بها في كلام الله ورسوله، وكذلك لفظ الخمر وغيرها، ومن هناك يُعرف معناها، فلو أراد أحدٌ أن يفسّرها بغير ما بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُقبل منه"[ 2 ]
    .
     المطلب الثاني: المفهوم اللغوي للإيمان
    الإيمان مصدر للفعل آمن، على وزن أَفْعل، لأنّ أصله أَاْمن، فأبدلت الثانية الساكنة ألفاً فصارت آمن، وجذره (أمن): الهمزة والميم والنون، والجذر في لغة العرب له معنى واحد مهما تغيّر تصريفه في الكلمات، لا بدّ من ملاحظة هذا المعنى في كل تصريفاته، وجذر آمن يدور حول الثقة والطمأنينة.
    قال ابن منظور: "الأَمانُ والأَمانةُ بِمَعنًى. وقد أَمِنْتُ فأنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غَيْرِي من الأَمْن والأَمان. والأَمْنُ: ضدُّ الْخَوْفِ. والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة. والإِيمانُ: ضدُّ الْكُفْرِ. والإيمان: بمعنى التَّصْدِيقِ، ضدُّه التَّكْذِيبُ. يقال: آمَنَ بِهِ قومٌ وكذَّب بِهِ قومٌ، فأما آمَنْتُه الْمُتَعَدِّي فهو ضدُّ أَخَفْتُه. وفي التَّنزيل العزيز: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"[ 3 ]
    .
    وقال ابن فارس: "الهمزةُ والميمُ والنُّونُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ: أَحَدُهُمَا الْأَمَانَةُ التي هي ضِدُّ الْخِيَانَةِ، ومعناها سُكُونُ الْقَلْبِ، والآخر التَّصْدِيقُ. وَالْمَعْنَيَانِ كَمَا قُلْنَا مُتَدَانِيَانِ"[ 4 ]
    .
    وقال: "يُقالُ: أَمِنْتُ الرَّجُلَ أَمْنًا وَأَمَنَةً وَأَمَانًا، وَآمَنَنِي يُؤْمِنُنِي إِيمَانًا"[ 5 ]
    .
    وقال: "وأمّا التَّصْدِيقُ فقول اللَّه تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾[يوسف: 17] أي: مُصَدِّقٍ لَنَا"[ 6 ]
    .
    وقال ابن منظور: "وأما الإِيمان فهو مصدر آمَنَ يُؤْمِنُ إِيمَانًا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ. واتَّفق أهلُ العلم من اللُّغَويّين وغيرهم أنّ الإيمان معناه التَّصديقُ"[ 7 ]
    ، وقال: "وآمَنَ بِالشَّيْءِ: صَدَّقَ، وأَمِنَ كَذِبَ مَنْ أَخبره"[ 8 ].
    وقال الفيروز آبادي: "وآمَنَ به إيمانًا: صَدَّقَهُ، والإِيمانُ: الثِّقَةُ، وإظْهارُ الخُضوعِ، وقَبولُ الشَّريعَةِ"[ 9 ]
    .
    وقال الفيومي: "أَمِنَ زَيْدٌ الْأَسَدَ أَمْنًا، وَأَمِنَ مِنْهُ، مثلُ سَلِمَ مِنْهُ وَزنًا ومعنًى، والأصلُ أن يُستعملَ في سُكُونِ الْقَلْبِ، يتعدَّى بنفسه وبالحرفِ، ويُعدَّى إلى ثَانٍ بِالْهَمْزَةِ، فيُقالُ: آمَنْته مِنْهُ، وَأَمِنْتُهُ عَلَيْهِ بِالْكَسْرِ، وَائْتَمَنْتُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَمِينٌ، وَأَمِنَ البلدُ اطمَأَنَّ بِهِ أَهْلُهُ فَهُوَ آمِنٌ وَأَمِينٌ، وَهُوَ مَأمُونُ الغَائِلَةِ أي لَيسَ لَهُ غَوْرٌ وَلَا مَكْرٌ يُخْشَى، وَآمَنْت الأَسِيرَ -بِالمَدِّ- أَعطَيته الأَمَانَ فَأَمِنَ هُوَ -بِالْكَسْرِ- وَآمَنت بِاَللَّهِ إيمَانًا أَسلَمت لَهُ، وَأَمِنَ بِالْكَسْرِ أَمَانَةً فَهُوَ أَمِينٌ، ثُمَّ اُسْتُعمِلَ المَصدَرُ فِي الأَعْيَانِ مَجَازًا فَقِيلَ: الوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَنحوُه، وَالجَمعُ أَمَانَاتٌ"[ 10 ]
    .
    والملاحظ من كلام أهل اللغة أنّ الجذر (أمن) يعني الطمأنينة والثقة التي تنبعث من التصديق، وتمنح الأمان والارتياح، فالأمين لولا ثقة الناس به وتصديقه لما أمنوه على حاجاتهم، والمؤمن بالشيءلولا تصديقه وثقته به ما اعتُبر مؤمنًا به، والأمان لا يشعر الناس به لولا ثقتهم بالبلد وأهله والقائمين عليه.
     ويميّز بين هذه المعاني المتقاربة والمتداخلة تعدّي الفعل:
    • فإذا جاء لازمًا (أَمِنَ يَأمَنُ) صار بمعنى: وجد الأمن وتحقّق به، أي حصلت عنده الثقة والطمأنينة.
    • وإذا سبقته الهمزة (آمَنَ): 
    - فتارة تكون همزة التعدية، فيصبح معناه أعطى الأمن ووهبه، كقوله تعالى: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾[قريش: 4] أي وهبهم الأمن.
    - وقد تكون همزة الصيرورة[ 11 ]
    ، أي صار ذا أمن، مثل أثمرت النخلة أي صارت ذا ثمر، وهي بهذا المعنى تأتي مع حرف الجرّ ليزيد حرف الجر معنىً إضافيًا على الفعل.
    فمع حرف الجر الباء: (آمن به)، أي صار ذا أمن بسببه، وهو معنى صدّقه ووثق به، ولهذا عبّر أهل اللغة عن هذا المعنى بالتصديق، لأنّ من يصدق المخبر ويثق به: يصبح ذا أمن بسببه، ومن آمن بالله وبالنبي -صلى الله عليه وسلّم-  يصبح آمنًا في الدنيا وآمنًا بالآخرة بسبب تصديقه الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم. 
    ومع حرف الجر اللام: (آمن له)، بمعنى سلّم له، لأنّه صدّقه ووثق به، كقوله تعالى: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِين﴾[التوبة: 61]، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع من المؤمنين ويسلّم لهم، لأنه يثق بهم، قال أبو حيان: "﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: يسمعُ من المؤمنينَ ويُسلِّمُ لهم ما يقولون، ويصدِّقُهم لكونهم مُؤمنين"[ 12 ]
    .
    والإيمان الأول اقترن بالباء (بالله) والثاني باللام (للمؤمنين)، لأنّ الأول للتصديق الذي هو سبب في حصول الأمن، أي بسبب تصديقه لله صار مؤمنًا وآمنًا، والثاني للأمان الذي نتج عن الثقة بالمؤمنين، فصار النبي -صلى الله عليه وسلم- مستمعًا ومسالـمًا ومائلًا لهم.
    والخلاصة: أنّ الإيمان مصدر آمن، له في اللغة معنيان: الأمن إذا تعدّى بنفسه، والتصديق إذا تعدّى بحرف الجر، وكلاهما منبثقان من الثقة والاطمئنان بالجهة التي آمن بها ولها.
    والإيمان الذي نحن بصدد تفسير معناه، هو: الإيمان المتعدي بحرف الجر، الإيمان بالله وبالنبي صلّى الله عليه وسلم، وهذا عند كل أهل اللغة هو التصديق، كما قال ابن منظور في كلامه السابق: "واتَّفق أهل العلم من اللُّغَويّين وغيرهم أنّ الإيمانَ معناهُ التَّصديقُ". 
    وقال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الأصبهاني: "الإِيمانُ في اللُّغة هو التَّصديقُ"[ 13 ]
    ، وقال ابن بطال: "فإن قيل: إنّ الإيمان في اللغة التصديق، وبذلك نطق القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾[يوسف: 17] أي ما أنت بمصدّق -يعنى في إخبارهم عن أكل الذئب ليوسف- فلا ينقص التصديق، قال المهلب: فالجواب في ذلك أنّ التصديق وإن كان يسمى إيمانًا في اللغة، فإن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البرّ كان من كمال إيمانه، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص"[ 14 ]، فأقرّ بمعناه اللغوي وهو التصديق، وزاد عليه معناه الشرعي.
     وقد بيّن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنّ الإيمان اللغوي ليس مطلق التصديق، بل هو تصديق يبعث على الانقياد والمتابعة، حيث ناقش تفسير الإيمان بمعنى التصديق في اللغة بكلام طويل خلاصته[ 15 ]
    :
    • يقال للمُخْبِر إذا صدّقته: صدَّقه، ولا يقال آمنه، ولا آمن به، بل يقال آمن له.
    • كلّ مُخْبِر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة صَدَقْتَ كما يقال: كَذَبْتَ، والإيمان يستعمل في خبر يُؤتمن عليه المخبر كالأمر الغائب الذي يُؤتمن عليه الـمُخبر.
    • لفظ الإيمان لم يقابله التكذيب بل الكفر، وليس كلّ كفرٍ ناتجٌ عن تكذيب.
    ثم رجّح -رحمه الله تعالى- أنّ معنى الإيمان لغة هو الإقرار، فقال: "فكان تَفسيرُهُ بلفظِ الإِقرَارِ أَقربَ مِن تَفسيرهِ بلَفظِ التَّصدِيقِ، مع أنَّ بينَهُمَا فَرقًا"[ 16 ]
    .
    وكلام شيخ الإسلام لا يعارض كلام أهل اللغة السابقين، وإنّما كان اعتراضه على تفسير الإيمان بأنّه مطلق التصديق، أو مرادف له في كل حال، ويُفهم من كلامه أنّه يرى أنّ الإيمان هو الإقرار، أي تصديق بخبر غيبي يلزم منه الانقياد، فقال: "فلمَّا كان الكُفرُ المُقابلُ لِلإِيمان لَيسَ هُوَ التَّكذيبُ فقط، عُلِمَ أنّ الإيمان ليس هو التَّصدِيقُ فقط، بل إذا كان الكُفرُ يكون تكذيبًا ويكون مُخالفةً ومُعَادَاةً وامتناعًا بلا تكذيبٍ، فلا بُدَّ أنْ يكون الإيمانُ تَصديقًا معَ مُوافقةٍ ومُوَالَاةٍ وانقِيَادٍ، لا يكفي مُجرَّدُ التَّصديقِ"[ 17 ]
    ، وهذا يعني أنّه -رحمه الله تعالى- يرى الإيمان أخصّ من التصديق أو نوع من أنواع التصديق، وليس مطلق التصديق.
    لكنّ الواضح أنّ التصديق هو أساس المعنى اللغوي بالاتفاق، ثم ملاحظة أنّه تصديق يلزمه اتباع هو استحضار للمعنى الشرعي، وهو واضح من استدلالات ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وردّه على المرجئة، والحديث هنا عن أصل المعنى اللغوي، ولا ضير حتى في اعتباره اللغوي، فهو نظرٌ أدقّ وأخصّ، وليس مناقضًا، والله أعلم.
    ولعل كلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري قد حوى كل ما تقدم، حيث قال: "الإيمان في اللغة: عبارة عن التّصديق، وقد يجيءُ بمعنى الوثُوق، لأنّه إفعال من الأمن، وهمزة الإفعال إذا دخلت على الفعل المتعدّي، فإما أنْ يعديه إلى مفعولٍ ثانٍ، أو يجعله لازمًا على معنى الصَّيرورة.
    فالأول، أي التَّصديق، منقولٌ من الأَفعال المتعدية، يقال: آمنته فلانًا، أي جعلتُه آمنًا منه، وآمَنْته غيري، أي جعلت غيري آمنًا منه، وكلا المعنيين اللغويين معنيان حقيقيان لِلَفظ الإيمان، وُضِعَ أولًا لجعل الشيء أمنًا من أمر، ثم وُضِع ثانيًا لمعنىً يناسبه وهو التَّصديق، فإنك إذا صَدَّقْتَ المخبر فقد أمّنته من تكذيبِكَ إياه. وتعدِيتُهُ بالباء لتضمِينه معنى الاعتراف، فإنك إذا صدَّقت شيئًا فقد اعترفت به.
    والمعنى الثاني منقول من الأفعال اللازمة، بمعنى صار ذَا أمن، فيتعدى بالباء، ليقال: آمن به، أي وثِقَ به، لأنّ الواثِقَ بالشيء صار ذا أمنٍ منه، وحينئذٍ لا يحتاج إلى التَّضمين. وأضاف الحافظ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على معناه اللغوي، فبدأ قيدًا آخر، وقال: إنّ الإيمان اسم للتَّصديق بالمغيبات خاصّة، ولا يطلق الإيمان على غير ذلك، فلا يقال: آمنت بذلك في جواب من قال: السماء فوقنا، ولذا قال تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾[البقرة: 3]، فقيَّد الإيمانَ بالغيبِ، لأنّه لا يتعلق إلا به، وقال: إنّ الإيمانَ هو تصديق السامِعِ للمخاطب، واثِقًا بأمانته، ومعتمدًا على دِيانته.
    وأصلُ الإيمان تبجيل الذاتِ وتعظيمها، ثم استُعمل في التصديق مطلقًا، ويتعلق بالذوات والأخبار. فإن تَعَلَّقَ بالذات يُؤْتَى بالباء في صِلته، وإن تَعَلَّقَ بالأخبار فباللام لتضمينه معنى الإقرار، وعليه قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا﴾[يوسف: 17] أي بمقرّ لنا، ولم يقولوا: بنا، لأنّ المرادَ التصديقُ بخبرهم دونَ ذَوَاتِهِم، وفي خلافه يكون التَّضمين، ولم نجد تعديتُهُ بعلى إلا ما عند مسلم: (ما مِنْ نبيَ إلا أُتِي من الآيات ما مثلُهُ آمن عليه البشرُ) أي آمن معتمدًا عليه البشر"[ 18 ]
    .
     المطلب الثالث: المفهوم الشرعي للإيمان
    لا بد من استعراض آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-  التي ورد فيها ذكر الإيمان، لنتبيّن المعنى الذي قصده الشارع من استعمال هذا اللفظ، وأهل السنة عندما استقرؤوا النصوص الشرعية خلصوا إلى تعريف الإيمان فقالوا: "الإيمان: تصديق القلب وإقرار اللسان وعمل الجوارح".
    فمن هذه النصوص: 
    • قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾[المائدة: 41]، ومن السنّة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قال: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الحَيَا، أَوِ الحَيَاةِ -شَكَّ مَالِكٌ- فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً)[ 19 ]
    .
    فالآية والحديث جعلا القلب محل الإيمان، ودلّ على أنّ القلب إذا خلا من الإيمان فلا ينفع القول والعمل.
    • وقال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة: 136].
    ومن السنّة حديث ابنِ عمرَ، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)[ 20 ]
    .
    فالآية أمرت بالقول والتصريح باللسان بالإيمان، والحديث جعل القول دليلًا على حصوله، وعصمةً لدم قائله.
    • وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ¤ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾[الأنفال: 2-3].
    ومن السنّة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قال: (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)[ 21 ]
    .
    فالآيتان والحديث ذكرت أعمالًا وجعلتها من الإيمان ومِنْ وصف المؤمنين.
    فمن قصر نظره على بعض الأدلة دون بعض، ضّل وأضل، كما فعلت الخوارج والمرجئة، ومن نظر في الأدلة كلها وجمعها وعمل به، هُدي وهدى، وهذا ما عليه أهل السنة من السلف والخلف.
     فمن أقول أهل العلم:
    قول الإمام أحمد: "وَالْإِيمَان قَول وَعمل، يزِيد وَينْقص"[ 22 ]
    .
    وقال أبو بكر الخلال: "كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذهب إِلَى أَن الْإِيمَان قَول بِاللِّسَانِ، وَعمل بالأركان، واعتقاد بِالْقَلْبِ، يزِيد بِالطَّاعَةِ، وَينْقص بالمعصية، ويقوى بِالْعلمِ، ويضعف بِالْجَهْلِ، وبالتوفيق يَقع، وَأَنّ الْإِيمَان اسْم يتَنَاوَل مسميات كَثِيرَة من أَفعَال وأقوال"[ 23 ]
    .
    وقال البخاري في أوّل كتاب الإيمان من صحيحه: "وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ"[ 24 ]
    .
    وقال سفيان الثوري: "وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ"[ 25 ]
    .
    وقال سفيان بن عيينة: "وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ"[ 26 ]
    .

    وقال أبو ثور: "إِنَّهُ -أي الإيمان- التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ"[ 27 ]
    .
    وعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَا: "أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ حِجَازًا وَعِرَاقًا وَشَامًا وَيَمَنًا فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ"[ 28 ]
    .
    وقال ابن بطّال: "مذهب جماعة أهل السُّنَّة من سَلَف الأمة وخلفها أنّ الإيمان قول وعمل"[ 29 ]
    .
    وقال أبو الحسين محمد بن أبي يعلي: "قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيده كثرةُ العمل والقول بالإحسان، وينقصهُ العصيان"[ 30 ]
    .
    وقال ابن قدامة: "الإيمان قول وعمل، والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان، وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان"[ 31 ]
    .
    وقال ابن رجب: "وأكثر العلماء قالوا: هو قول وعمل، وهذا كله إجماع من السلف وعلماء أهل الحديث، وقد حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين عليه، وحكى أبو ثور الإجماع عليه أيضًا.
    وقال الأوزراعي: كان مَن مضى ممن سلف لا يفرّقون بين الإيمان والعمل، وحكاه غير واحد من سلف العلماء عن أهل السنّة والجماعة، وممن حكى ذلك عن أهل السنة والجماعة: الفُضيل بن عياض، ووكيع بن الجراح.
    وممن روي عنه أنّ الإيمان قول وعمل: الحسن، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وهو قول الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور وغيرهم"[ 32 ]
    .
    وقال الشيخ محمد أنور شاه: "فالإيمان عند السلف عبارة عن ثلاثة أشياء: اعتقاد، وقول، وعمل"[ 33 ]
    .


    وهذا غيض من فيض من نقولات أهل السنّة التي تبين أنّ الإيمان قول وعمل.
     اختلاف تعبير أهل العلم عن المقصود:
    بعض أهل العلم عبّر عن معنى الإيمان بعبارة "قول وعمل" كما قدّمنا، 
    ومعنى القول: أي قول القلب واللسان، فقولُ القلبِ الاعتقادُ والتصديق، وقولُ اللسانِ الإقرارُ، 
    ومعنى العمل: أي الانقياد بالجوارح للأوامر طاعة، وللمعاصي تركًا.
    والبعض عبّر بصيَغ أخرى، والمعنى واحد، وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التنوع في التعبير بقوله: "أَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي (تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ)، فَتَارَةً يَقُولُونَ: هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ. وَتَارَةً يَقُولُونَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَاعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ، فَإِذَا قَالُوا: قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْقَوْلِ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ".
    ثم قال بعدها: "وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ أَرَادَ قَوْلَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَمَلَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَمَنْ أَرَادَ الِاعْتِقَادَ رَأَى أَنَّ لَفْظَ الْقَوْلِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْقَوْلُ الظَّاهِرُ أَوْ خَافَ ذَلِكَ فَزَادَ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ، وَمَنْ قَالَ: قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ قَالَ: الْقَوْلُ يَتَنَاوَلُ الِاعْتِقَادَ وَقَوْلَ اللِّسَانِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَقَدْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ النِّيَّةُ، فَزَادَ ذَلِكَ، وَمَنْ زَادَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَكُونُ مَحْبُوبًا لِلَّهِ إلَّا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَأُولَئِكَ لَمْ يُرِيدُوا كُلَّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ إنَّمَا أَرَادُوا مَا كَانَ مَشْرُوعًا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَلَكِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ جَعَلُوهُ قَوْلًا فَقَطْ، فَقَالُوا: بَلْ هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ.
    وَاَلَّذِينَ جَعَلُوهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ فَسَّرُوا مُرَادَهُمْ، كَمَا سُئِلَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري عَنْ الْإِيمَانِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ وَسُنَّةٌ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ إذَا كَانَ قَوْلًا بِلَا عَمَلٍ فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِذَا كَانَ قَوْلًا وَعَمَلًا بِلَا نِيَّةٍ فَهُوَ نِفَاقٌ، وَإِذَا كَانَ قَوْلًا وَعَمَلًا وَنِيَّةً بِلَا سُنَّةٍ فَهُوَ بِدْعَةٌ"[ 34 ]
    .
    فاعتقاد القلب وحده لا يكفي، وإلا فجلّ أهل الكفر يعتقدون صدق الرسل وما جاؤوا به، ولكن منعهم الكبر والطغيان من اتّباعهم، كما قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا﴾[النمل: 35]. والنطق بالشهادتين هو ما يميّز المؤمن عن الكافر ويعصم دمه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ)[ 35 ]
    .
    وقول اللسان وحده لا يكفي، وإلا فالمنافقون قد قالوا (آمنّا) بألسنتهم، ونطقوا بالشهادتين، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾[البقرة: 14]، ولكنّ ذلك لم يجعلهم مؤمنين حقًّا، لأنّ ما قالوه بألسنتهم يخالف ما في قلوبهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾[المائدة: 41].
    ومن صدّق بقلبه ونطق بلسانه ولم يعمل بجوارحه، لم يبلغ الإيمان الذي يريده الله تعالى منه، قال ابن القيّم: "من عَرَفَ بقلبه وأقرّ بلسانه لم يكن بمجرّد ذلك مؤمنًا حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة، فيحبّ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وطاعته والتزام شريعته ظاهرًا وباطنًا"[ 36 ]
    ، وقال ابن أبي العز الحنفي: "وقد أجمعوا على أنّه لو صدّق بقلبه وأقرّ بلسانه، وامتنع عن العمل بجوارحه: أنّه عاصٍ لله ورسوله، مستحقٌ الوعيد"[ 37 ].
    وفي المطلب التالي بحث مفصّل لمسألة دخول الأعمال في مسمّى الإيمان.

    المطلب الرابع: منزلة الإيمان العملي في حقيقة الإيمان الشرعي:

    العمل الظاهر جزء من الإيمان، فهو داخل في مسمّاه وركن فيه لا يقوم الإيمان إلا به، وهو مقتضى عمل القلب ولازمه، فالعمل الظاهر لازم للعمل الباطن، فوجوده وجود للباطن، وانتفاؤه انتفاء للباطن.
    قال ابن منده: "ذكرُ الأبواب والشعب التي قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- إنها الإيمان، وإنها قول باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان التي علّمهن جبريل -عليه السلام- الصحابة، وكذلك روي عنه من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبيّن المصطفى مجملها"... ثم قال: "ثم أفعال سائر الجوارح من الطاعات والواجبات التي بُني عليها الإسلام، أولها إتمام الطهارات كما أمر الله عز وجل، ثم الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والزكاة على ما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حج البيت من استطاع إليه سبيلًا. وترك الصلاة كفر، وكذلك جحود الصوم والزكاة والحج. والجهاد فرض على كفاية مع البر والفاجر، وسائر أعمال التطوع التي يستحق بفعلها اسم زيادة الإيمان، والأفعال المنهي عنها التي بفعلها يستحق نقصان الإيمان"[ 38 ]
    .
    لكن المراد بالعمل الذي ينتفي الإيمان بانتفائه: جنس العمل الصالح، لا أفرادُه، فإنّ المؤمن قد يترك أعمالًا كثيرة مفروضة ويبقى مؤمنًا، فإن ترك العمل كلّه زال عنه مطلق الإيمان، لأنّه ترك جنس العمل، وتركُ جنس العمل مسقط لأصل الإيمان.
     الأدلة على أنّ الأعمال ركن في الإيمان:
    يدلّ لما ذهب إليه أهل السنّة والجماعة من أنّ الأعمال ركن في الإيمان: أدلّة كثيرة، إجمالها فيما يلي:

  • أن الله -جلّ شأنه- قد قرن بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع كثيرة في كتابه، مثل قوله: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾[الشورى: 26]، وقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ ¤ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ ¤ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ¤ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ[الانشقاق: 22-25].

  • قال الآجري: "اعلموا رحمنا الله وإياكم يا أهل القرآن، ويا أهل العلم، ويا أهل السنن والآثار، ويا معشر من فقّههم الله -تعالى- في الدين، بعلم الحلال والحرام، أنّكم إنْ تدبرتم القرآن كما أمركم الله تعالى: علمتم أنّ الله -تعالى- أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله العملَ، وأنّه -تعالى- لم يثن على المؤمنين بأنّه قد رضي عنهم وأنّهم قد رضوا عنه، وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة والنجاة من النار، إلا الإيمان والعمل الصالح، وقرن مع الإيمان العمل الصالح، لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده حتى ضمّ إليه العمل الصالح الذي قد وفّقهم له، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدّقًا بقلبه، وناطقًا بلسانه، وعاملًا بجوارحه، لا يخفى على من تدبر القرآن وتصفّحه وجده كما ذكرت، واعلموا -رحمنا الله تعالى وإيّاكم- أنّي قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرته في ستة وخمسين موضعًا من كتاب الله عز وجل، أنّ الله -تبارك وتعالى- لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم، وبما وفقهم له من الإيمان به، والعمل الصالح، وهذا رد على من قال: الإيمان المعرفة، وردّ على من قال: المعرفة والقول وإن لم يعمل، نعوذ بالله من قائل هذا"[ 39 ]
    .
    وقال ابن بطة: "فتفهّموا -رحمكم الله- هذا الخطاب، وتدبّروا كلام ربكم عز وجل، وانظروا هل ميّز الإيمان من العمل؟ أو هل أخبر في شيء من هذه الآيات أنّه ورّث الجنة لأحد بقوله دون فعله؟ ألا ترون إلى قوله عز وجل: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الزخرف: 72] ولم يقل بما كنتم تقولون؟"[ 40 ]
    .
    وقد نفى -سبحانه وتعالى- الإيمان عمّن ادعاه بلسانه ثم تولّى عن العمل بطاعة الله ورسوله بالكلية، فقال: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[النور: 47]. 
    قال شيخ الإسلام: "والتولي هو: التولي عن الطاعة، كما قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[الفتح: 16].
    وقال تعالى: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[القيامة: 31، 32]،
    وقد قال تعالى: ﴿لا يَصْلاهَا إِلاَّ الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[الليل: 15، 16]،
    وكذلك قال موسى وهارون: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[طه: 48]، فعُلِم أنّ التولي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة، فإنّ الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر، ويطيعوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة التولي، فلهذا قال: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[القيامة 31: 32]،
    وقد قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[النور: 47]، فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل، وإن كان قد أتى بالقول،
    وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾[النور: 62]،
    وقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾[الأنفال: 2].
    ففي القرآن والسنة من نفى الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة، كما نفى فيها الإيمان عن المنافق"[ 41 ]
    .

    1. أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)[ 42 ]
    ، فذكر عملين من أعمال الجوارح، وجعلهما من الإيمان، وجعل من جاء بهما معصوم الدم.
    كما أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر عن كفر تارك الصلاة في قوله: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)[ 43 ]
    ، والصلاة عمل واحد من جنس العمل، والحكم على تاركها بالكفر دليل على أنّ العمل ركن من أركان الإيمان الذي لا يقوم إلا به.
    قال العمراني: "وكذلك روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء -رضي الله عنهم- أنّهم قالوا: (من ترك الصلاة فقد كفر)، وهذا حجّة لمن قال العمل من الإيمان"[ 44 ]
    .
    وكثير من أهل العلم يذكرون هذا الحديث في باب الإيمان كالترمذي والآجري وابن بطة واللالكائي، وعقد أبو داوود في سننه بابًا في ردّ الإرجاء، وذكر فيه هذا الحديث.
    1. إجماع السلف على نفي الإيمان عن تارك العمل بالكليّة، قال الشافعي: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إنّ الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"[ 45 ]
    .
    وقد تتابع علماء الإسلام على القول بأنّه لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان، من ذلك قول سفيان: "كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنيّة، ولا يستقيم قول وعمل ونيّة إلا بموافقة السنة"[ 46 ]
    . وقول الإمام أحمد: "الإيمان لا يكون إلا بعمل"[ 47 ]
    1. أنّه لا يستقيم عقلًا ترك العمل بالكليّة مع القدرة عليه ممن يدّعي الإيمان بالله ورسوله، ويعلم أوامر الله ونواهيه، ويفهم وعده ووعيده! لكنّه يستقيم ويُتَصور صدور ذلك من أحد شخصين:
    • شخص يكذب في دعواه تلك، وهو في الحقيقة غير مؤمن.
    قال ابن تيمية: "كل من تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان، علم بالاضطرار أنّه مخالف للرسول، ويعلم بالاضطرار أنّ طاعة الله ورسوله من تمام الإيمان،... ويعلم أنّه لو قُدّر أنّ قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقرّ بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنّا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدّق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئًا من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضًا ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويُرجى لكم ألاّ يدخل أحد منكم النار؟! بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنّه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك"[ 48 ]
    .
    • شخص صادق في دعوى الإيمان، لكنّه لم يأتِ بالعمل الذي يؤكّد صدق دعواه، فهو والجاحد أو الكاذب سواء، لاستوائهما في ترك العمل وعدم الامتثال.
    • قال محمد بن نصر المروزي: "ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حقّ لرجل، فسأل أحدَهما حقّه فقال: ليس لك عندي حقّ، فأنكر وجحد! فلم تبق له منزلة يحقق بها ما قال، إذ جحد وأنكر.

    وسأل الآخر حقَّه، فقال: نعم، لك علي كذا وكذا، فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقُّه دون أن يوفّيَهُ، وهو منتظر له أن يحقّقَ ما قال إلا بأدائه، ويصْدُقُ إقراره بالوفاء، ولو أقرّ ثم لم يؤدِّ حقّه كان كمن جحده في المعنى، إذ استويا في الترك للأداء، فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه. فإن أدّى جزءًا منه حقّق بعض ما قال ووفى ببعض ما أقرّ به، وكلما أدى جزءًا ازداد تحقيقًا لما أقرّ به، وعلى المؤمن الأداء أبدًا لما أقرّ به حتى يموت"[ 49 ]
    .

    مراتب الإيمان:

    وعلى هذا فالمؤمنون متفاوتون في مراتب إيمانهم، فمنهم من معه أصل الإيمان دون أن يصل إلى درجته الواجبة، ومنهم من بلغ درجة الكمال الواجب، ومنهم من بلغ درجة الكمال المستحب.
     المرتبة الأولى: أصل الإيمان، وهي الحدّ الأدنى من الإيمان الذي ينجو به صاحبه من الكفر، ومن الخلود في النار، ومن لم يكن معه هذا الأصل لم يكن مؤمنًا. 
    وأهل هذه المرتبة هم من جاؤوا بأصل الإيمان، من التصديق والإقرار والعمل، لكنّهم مقصّرون في الإتيان بكماله الواجب. قال ابن خفيف: "أصل الإيمان موهبة يتولد منها أفعال العباد، فيكون أصله التصديق والإقرار والأعمال"، فيدخل في هذه المرتبة من كان عندهم نقص في حقائق الإيمان[ 50 ]
    ​، أو قصّروا في بعض الفروض فتركوا بعضها وعملوا ببعضها، ولم يتركوا كل العمل، أو كانوا من أهل المعاصي والكبائر.  
    ويطلق على هذه المرتبة: (الإيمان المجمل) لأن صاحبها يؤمن ويقر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم بالجملة دون علمٍ بالتفاصيل.
    وتسمّى أيضًا: (مطلق الإيمان)، لأن صاحبها داخل في مسمّى الإيمان بما جاء به من التصديق والإقرار والعمل.
     المرتبة الثانية: الإيمان الواجب: وأهل هذه المرتبة هم من جاؤوا بأصل الإيمان، وزادوا عليها فعل جميع الطاعات التي أوجبها الله تعالى، وترك جميع المحرّمات التي حرّمها. 
    وفي هذه المرتبة تقع الزيادة والنقصان في الإيمان، فيزداد الإيمان بالزيادة في الطاعة، وينقص بالنقصان في الطاعة أو بارتكاب المحرّم.
    ويطلق على هذه المرتبة: الإيمان الكامل، أو الإيمان المفصّل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان.
     المرتبة الثالثة: الإيمان المستحبّ، أو الإيمان الكامل بالمستحبات[ 51 ]
    ، وأهل هذه المرتبة هم من جاؤوا بأصل الإيمان، وبفعل جميع الطاعات وترك جميع المحرّمات، وزادوا عليها بفعل المندوبات والمستحبات وترك المكروهات والمتشابهات، واجتهدوا في الطاعات والقربات والترقّي في مقامات الإحسان.
     وقد جاء في القرآن إشارة إلى هذه المراتب الثلاث، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾[فاطر: 32].
    قال الطبري: "وأما الظالم لنفسه فإنّه لَأَنْ يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبهُ بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أنّ الله -تعالى ذكره- أتبع هذه الآية قوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾، فعمّ بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة"[ 52 ]
    .
    قال ابن تيمية: "فمعلوم أنّ الظالم لنفسه يتناول المضيّع للواجبات والمنتهك للمحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرّمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرّب بالحسنات مع الواجبات"[ 53 ]
    .
     المطلب الخامس: مفهوم الإيمان عند الفرق الأخرى
    إذا عرفنا مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة، ومنهجهم في تقريره، يظهر لنا المفرق الذي شذّ عنه غيرهم فأخطؤوا في فهم الإيمان.
    فالخوارج -وهم أوّل الفرق ظهورًا- قالوا: إنّ الإيمان قول وعمل، لكنّه لا يزيد ولا ينقص، وهو شيءٌ واحد: إن ذهب بعضه ذهب كله، وبالتالي حكموا على من ترك شيئًا من العمل الواجب أو ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب بالكفر والخلود في النار.
    ومثلهم المعتزلة، إلّا أنّهم اعتبروا أنّ اسم الكافر لا يقع على من ترك شيئًا من العمل الواجب أو ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب في الدنيا، وفي الوقت نفسه لا يقع عليه اسم الإيمان، فقالوا: هو في منزلة بين منزلتين! أمّا في الآخرة فوافقوا الخوارج في القول بأنّه خالد في النار.
    أما مرجئة الفقهاء[ 54 ]
     : فقد ذهبوا إلى أنّ الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وأنّ إيمان الخلق متماثل لا متفاضل، وإنما التفاضل في غير الإيمان من الأعمال، ولذا أخرجوا العمل من مسمى الإيمان، وزعموا أنّه لا يزيد ولا ينقص، مع قولهم إنّ مرتكب الكبيرة معرض للوعيد، وهو تحت مشيئة الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له.
    وغلاة المرجئة قالوا: الإيمان هو إقرار اللسان فقط، وهم الكرامية، وبعضهم قال هو التصديق فقط، وهي مقولة جهم، فالإيمان عنده هو المعرفة، وهذا القول واضح البطلان فلو كان الإيمان بالقول فقط لكان المنافقون مؤمنين، ولو كان الإيمان بالتصديق فقط لكان أبو جهل وأبو لهب وابن خلف من المؤمنين، لأنّهم كانوا يؤمنون بصدق النبي -صلى الله عليه وسلّم- في قرارة أنفسهم، لكنّهم استكبروا عن الإيمان به وطاعته، قال تعالى عن فرعون وقومه: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾[النمل: 14].
    قال ابن منده في بيان أقوال الفِرَق في الإيمان: 
    "ذكرُ اختلاف أقاويل الناس في الإيمان ما هو
    فقالت طائفة من المرجئة: الإيمان فعل القلب دون اللسان،
    وقالت طائفة منهم: الإيمان فعل اللسان دون القلب، وهم أهل الغلو في الإرجاء،
    وقال جمهور أهل الإرجاء: الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعًا
    وقالت الخوارج: الإيمان فعل الطاعات المفترضة كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح،
    وقال آخرون: الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب الكبائر،
    وقال أهل الجماعة: الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح، غيرَ أنّ له أصلًا وفرعًا، فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان، مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له، مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة، فإذا أتى بهذا الأصل، فقد دخل في الإيمان، ولزمه اسمه، وأحكامه، ولا يكون مستكملًا له حتى يأتي بفرعه، وفرعُه المفترض عليه، أو الفرائض واجتناب المحارم"[ 55 ]
    .
    وقال الشيخ محمد أنور شاه محمد أنور شاه بن معظّم شاه الكشميري: "وقد مرّ الكلام على الأولين: أي التصديق، والإقرار، بقي العمل، هل هو جزءٌ للإيمان أم لا؟ فالمذاهب فيه أربعة:
    قال الخوارج والمعتزلة: إنّ الأعمال أجزاءٌ للإيمان، فالتارك للعمل خارج عن الإيمان عندهما. ثم اختلفوا، فالخوارجُ أخرجوه عن الإيمان، وأدخلوه في الكفر، والمعتزلةُ لم يدخلوه في الكفر، بل قالوا بالمنزلةِ بين المنزلتين.
    والثالث: مذهب المرجئة فقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النَّجاة هو التصديق فقط. فصار الأوَّلونَ والمرجئة على طرفي نقيض.
    والرابع: مذهب أهل السنة والجماعة وهم بين بين، فقالوا: إنّ الأعمال أيضًا لا بد منها، لكنّ تَارِكها مُفَسَّقٌ لا مُكَفَّر. فلم يُشددوا فيها كالخوارج، والمعتزلة، ولم يِهوِّنوا أمرها كالمرجئة"[ 56 ]
    .
    وقال الطحاوي: "ولا نكفّر أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلّه، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنبٌ لمن عمله"[ 57 ]
    ، قال ابن أبي العز: "وقوله: ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله... إلى آخر كلامه، ردّ على المرجئة، فإنّهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فهؤلاء في طرف، والخوارج في طرف، فإنّهم يقولون: يكفر المسلم بكلِّ ذنب، أو بكلّ ذنب كبير، وكذلك المعتزلة الذين يقولون: يحبط إيمانه كله بالكبيرة، فلا يبقى معه شيء من الإيمان. لكنّ الخوارج يقولون: يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر! والمعتزلة يقولون: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر! وهذه المنزلة بين المنزلتين!! وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار"[ 58 ].
     هل الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء حقيقي أم لفظي؟
    القول الذي قاله مرجئة الفقهاء يحتمل أمرين:
    الأول: إثبات التلازم بين الظاهر والباطن، أي أنّ من آمن بقلبه لزمه أن يصدّق ذلك بفعله، فالفعل لازم من لوازم الإيمان وليس مجرّد ثمرة من ثمراته، وعليه: فمن لم يعمل لا يكون إيمانه صحيحًا.
    فعلى هذا: من يقول بهذا القول خلافه مع أهل السنّة أكثره لفظي، لكنّ قوله بإخراج العمل من مسمى الإيمان بدعة من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد.
    والثاني: عدم إثبات التلازم بين الظاهر والباطن، أي أنّ من آمن بقلبه فإيمانه صحيح كامل وإن لم يعمل، فإن عمل فإنه يكون فاضلًا على من لم يعمل من هذه الجهة فقط.
    فعلى هذا: من يقول بهذا القول خلافه مع أهل السنّة خلاف حقيقي جوهري.
    قال ابن تيمية: "[يقال] لمن قال: دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز: نزاعك لفظي، فإنك إذا سلّمت أنّ هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته، كان عدم اللازم موجبًا لعدم الملزوم، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن، فإذا اعترفت بهذا: كان النزاع لفظيًا.
    وإن قلت ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه، من أنّه يستقر الإيمان التامّ الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفرٌ وتركُ جميع الواجبات الظاهرة، قيل لك: فهذا يناقض قولك إنّ الظاهر لازم له وموجب له، بل قيل: حقيقة قولك إنّ الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى، فليس بلازم له ولا موجب ومعلول له، ولكنه دليل إذا وجد دلّ على وجود الباطن، وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم، وهذا حقيقة قولك. وهو أيضًا خطأ عقلًا كما هو خطأ شرعًا..."[ 59 ]
    .
     وعلى هذا فأكثر الخلاف مع مرجئة الفقهاء خلاف لفظي، ما داموا يوجبون العمل، ويقولون بذمّ العصاة وأنّهم مُتَوعَّدُون بالعقوبة، ولا يقولون قول غلاة المرجئة الجهمية: لا يضر مع الإيمان ذنب!
    قال ابن تيمية: "ومما ينبغي أن يُعرف أنّ أكثر التنازع بين أهل السنّة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، وإلّا فالقائلون بأنّ "الإيمان قولٌ" من الفقهاء -كحمّاد بن أبي سليمان، وهو أوّل من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم- متّفقون مع جميع علماء السنّة على أنّ أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، وإن قالوا: إنّ إيمانهم كامل كإيمان جبريل فهم يقولون: إنّ الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقًّا للذم والعقاب كما تقوله الجماعة. 
    ويقولون أيضًا بأنّ من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة، والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة متفقون على أنّه لا يخلد في النار. فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرّين باطنًا وظاهرًا بما جاء به الرسول، وما تواتر عنه أنّهم من أهل الوعيد وأنّه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها ولا يخلد منهم فيها أحد، ولا يكونون مرتدين مباحي الدماء.
    ولكن "الأقوال المنحرفة" قول من يقول بتخليدهم في النار كالخوارج والمعتزلة، وقول غلاة المرجئة الذين يقولون: ما نعلم أنّ أحدًا منهم يدخل النار!"[ 60 ]
    .
    وقال الذهبي: "قال معمر: قلت لحمّاد: كنت رأسًا، وكنت إمامًا في أصحابك، فخالفتهم، فصرت تابعًا! قال: إنّي أن أكون تابعًا في الحق، خير من أن أكون رأسًا في الباطل.
    قلت: يشير معمر إلى أنّه تحوّل مرجئًا إرجاء الفقهاء، وهو أنّهم لا يعدّون الصلاة والزكاة من الإيمان، ويقولون: الإيمان إقرار باللسان ويقين في القلب، والنزاع على هذا لفظي إن شاء الله، وإنّما غلو الإرجاء من قال: لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض، نسأل الله العافية"[ 61 ]
    .
     فالمذهب الصحيح الذي عليه الأئمة الأعلام: أنّ هؤلاء الفقهاء لا يخرجون عن كونهم من أهل السنّة، كما تقدّم في قول ابن تيمية، وأنّهم لا يُفسّقون ولا يُبدّعون، بل يثنون عليهم، ويعتذرون لهم، ويرون أنّهم اجتهدوا في هذه المسألة فأخطؤوا، فلا يُتابَعون على خطئهم.
    قال ابن تيمية: "ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يكفّر أحدٌ من السلف أحدًا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بِدَعِ الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإنّ كثيرًا من النزاع فيها لفظي، لكنّ اللفظ المطابق للكتاب والسنّة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لاسيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بِدَعِ أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسيرُ في اللّفظ سببًا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، فلهذا عظم القول في ذمّ الإرجاء حتى قال إبراهيم النخعي: لَفتنتُهُم -يعنى المرجئة- أخوفُ على هذه الأمة من فتنة الأزارقة"[ 62 ]
    .
    ومن هنا نعلم خطأ الغلاة الذين يتطاولون على أبي حنيفة وغيره من الفقهاء رحمهم الله، ويفسّقونهم وربّما كفّروهم!! جهلًا منهم بحقيقة الخلاف، وبمقالات السلف الصالح والأئمة الأعلام من أهل السنّة فيهم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
     ----------------------------------------
    1 - مجموع الفتاوى (7/286).
    2 - المرجع السابق في الموضع نفسه.
    3 - لسان العرب (13/21).
    4 - مقاييس اللغة (1/133).
    5 - المرجع السابق ( 1/134).
    6 - المرجع السابق (1/135).
    7 - لسان العرب (13/23).
    8 - المرجع السابق.
    9 - القاموس المحيط ( 1176).
    10 - المصباح المنير( 1/24 ).
    11 - تأتي همزة أَفْعَل لمعاني كثيرة منها التعدية والصيرورة والسلب وغيرها، انظر شرح شافية ابن الحاجب (1/249).
    12 - البحر المحيط ( 5/446).
    13 - شرح مسلم للنووي (1/146).
    14 - شرح البخاري لابن بطال ( 1/56).
    15 - يُنظر مجموع الفتاوى ( 7/288-293).
    16 - مجموع الفتاوى ( 7/291).
    17 - المرجع السابق ( 7/292).
    18 - فيض الباري شرح البخاري (1/122).
    19 - أخرجه البخاري برقم (22)، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان.
    20 - أخرجه البخاري برقم (25)، كتاب الإيمان، باب ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم﴾.
    21 - أخرجه البخاري برقم 9- كتاب الإيمان – باب أمور الإيمان.
    22 - أصول السنة  ص (34).
    23 - العقيدة  ص (117).
    24 - صحيح البخاري (1/10).
    25 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ( 1/170).
    26 - المرجع السابق (1/175).
    27 - المرجع السابق ( 1/193).
    28 - المرجع السابق (1/197).
    29 - شرح البخاري لابن بطال (1/56).
    30 - الاعتقاد لابن أبي يعلى ص (23).
    31 - لمعة الاعتقاد، ص (26).
    32 - شرح البخاري لابن رجب (1/5).
    33 - فيض الباري (1/128).
    34 - مجموع الفتاوى (7/171).
    35 - صحيح مسلم (1/52).
    36 - عدة الصابرين ص (109).
    37 - شرح العقيدة الطحاوية (2/463).
    38 - الإيمان (1/362).
    39 - الشريعة (2/616).
    40 - الإبانة الكبرى (2/787).
    41 - الإيمان ص (117).
    42 - رواه البخاري حديث رقم (25).
    43 - رواه مسلم، حديث رقم (82).
    44 - الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (3/753).
    45 - عزاه لكتاب "الأم" للشافعي كل من اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (5/956) وابن تيمية في الإيمان ص (241)، وفي مجموع الفتاوى (7/308).
    46 - الإبانة الكبرى (2/807).
    47 - السنّة للخلال، (3/ 566).
    48 - مجموع الفتاوى (7/287).
    49 - تعظيم قدر الصلاة (2/512).
    50 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فعامّة الناس إذا أسلموا بعد كفر أو وُلدوا على الإسلام والتزموا شرائعه وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل، ولكنّ دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنّما يحصل شيئًا فشيئًا إن أعطاهم الله ذلك، وإلّا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد، ولو شُكّكوا لشكّوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفارًا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدّمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عرفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة. وإن ابتلوا بمن يُورد عليهم شبهاتٍ تُوجب ريبهم؛ فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع من النفاق. وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد، ولهذا لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة أسلم عامّةُ أهلها فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق. فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة، ولم يكونوا من المؤمنين حقًّا الذين ابتُلوا فظهر صدقهم. قال تعالى: ﴿الم % أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ % وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1-3]"مجموع الفتاوى (7/271).
    51 - كما يسمّيها شيخ الإسلام ابن تيمية، ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 197).
    52 - جامع البيان (20/469).
    53 - مجموع الفتاوى (13/337).
    54 - قال ابن تيمية: "والحزب الثاني وافقوا أهل السنّة على أنّه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد، ثم ظنّوا أنّ هذا لا يكون إلا مع وجود كمال الإيمان؛ لاعتقادهم أنّ الإيمان لا يتبعّض، فقالوا: كل فاسق فهو كامل الإيمان، وإيمان الخلق متماثل لا متفاضل، وإنما التفاضل في غير الإيمان من الأعمال، وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان؛ لأنّ الله فرق بين الإيمان والأعمال في كتابه. ثم قال الفقهاء المعتبرون من أهل هذا القول: إنّ الإيمان هو تصديق القلب وقول اللسان، وهذا المنقول عن حماد بن أبي سليمان ومن وافقه كأبي حنيفة وغيره".
    55 - الإيمان (1/331).
    56 - فيض الباري على صحيح البخاري (1/129).
    57 - شرح الطحاوية (1/296).
    58 - شرح الطحاوية  (1/297-298).
    59 - مجموع الفتاوى (7/579-580).
    60 - مجموع الفتاوى (7/297).
    61 - سير أعلام النبلاء (5/529).
    62 - مجموع الفتاوى (7/394).
    مشاركة
    Banner

    chalhaoui

    هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة، لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف

    أضف تعليق:

    0 comments: