لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم... مع الدرس الثاني من دروس الأخلاق الإسلامية، وقد بدأنا الدرس الماضي بخلقٍ إسلاميٍ كبير ؛ ألا وهو الخُلُق الجَماعي، هذا الخُلُق ينسجم مع فطرة الإنسان، الفطرة الجماعية، فالإنسان كائنٌ اجتماعيٌ بالطبع، مصمم ليعيش في جماعة، مصمم ليتعامل معها تعاملاً وَفْق منهج الله عزَّ وجل. تحدثنا في الدرس الماضي عن طبيعة الأخلاق الجماعية، وطبيعة الأخلاق الفردية، وكيف أن الأخلاق الجماعية تُعْزَى إليها مكارم كثيرة، وكيف أن الأخلاق الفردية تعزى إليها مكاسب كثيرة، وكيف أن النزعة الفردية هي نزعةٌ هدامة، وكيف أن النزعة الجماعية هي نزعةٌ بنَّاءَة، وكيف أن النصوص القرآنية والنبوية تصبُّ في خانة الروح الجماعية التي هي من صفات المجتمع المسلم. هذا بشكلٍ مختصر فحوى الدرس الماضي، وننتقل في هذا الدرس إلى متابعة فقرات هذا الموضوع. من أولى فقرات هذا الموضوع أن الإسلام حرص حرصاً لا حدود له على وحدة الجماعة المسلمة، وحدة الجماعة المسلمة تتبدَّى صريحةً واضحةً من قول الله عزَّ وجل:
﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّه﴿
خالقاً، المشرِّع، قيّوم السماوات والأرض، ما من جهةٍ يمكن أن تُطاع إلا الله ؛ خالق، مربي، مسيِّر، أسماؤه حسنى، صفاته فضلى، عليمٌ، سميعٌ، بصيرٌ، قويٌ، مجيبٌ، رحيمٌ، عدلٌ..
﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ﴿
لكن أمر الله عزَّ وجل جاء كُلِّياً في القرآن، وأرسل لنا النبي عليه الصلاة والسلام بأوامر تفصيلية. بادئ ذي بدء عصم النبي من أن يخطئ لا في أقواله ولا في أفعاله، فالنبي مشرع، ولا ينطق عن الهوى، ومعصوم، و يوحى إليه، نبي يوحى إليه، رسول يحمل الرسالة، معصوم من أي خطأ..
﴾وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴿
لذلك في حياتنا إنسانٌ واحد يمكن أن تطيعه وأنت مغمض العينين، لأن خالق الكون تكفَّل لنا بعصمته، ولأن خالق الكون أخبرنا في قرآنه الكريم أنه لا ينطق عن الهوى، فقط النبي، قال:
﴾وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم ﴿ْ
الآن دخلنا في الدرس، حرصاً على وحدة المسلمين، حرصاً على وحدة كلمتهم، ووحدة اتجاههم، ووحدة صفوفهم، حرصاً على أن تكون الجماعة المسلمة ؛ جماعةً قويةً، متماسكةً، متراصَّة، حرصاً على كل ذلك جاء الأمر الإلهي بطاعة الله، وطاعة الرسول، وطاعة أولي الأمر، طبعاً منكم، و ( مِن ) للتبعيض، يعني أولو الأمر الذين هم بعضٌ منكم، يعني يؤمنون بما تؤمنون به، وينتهون عما تُنْهَون عنه، ويعتقدون بما تعتقدون، ويتعاطفون مع ما تتعاطفون، ويحبون ما تحبون، ويكرهون ما تكرهون، كل هذه المعاني مقتبسة من كلمة (منكم)..
﴾وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
﴿
ولكن لو أن المسلمين احتُلَّت أرضهم، لا سمح الله ولا قدَّر، وجاءهم عدوٌ غاصب ليس من دينهم، كافر، وقال لك هذا العدو: يجب أن تطيعني لأن قرآنكم يقول:
﴾أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
﴿
نقول له ببساطة: أنت لست مسلماً، لست مؤمناً بما نؤمن، لا تعتقد ما نعتقد، لا ترجو ما نرجوا، لا تخاف ما نخاف، لا تحب ما نحب، لا تكره ما نكره. إذاً هذا معنى:
﴾وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴿
يعني لو أن المسلمين احتلَّت أرضهم، وجاءهم عدوٌ اغتصب أرضهم، حكمهم بغير كتاب الله، لا يعتقد بعقيدتهم، لا يؤدِ عباداتهم، إذاً هذا ليس منكم، بل هذا فيكم، هذه واحدة.
الثانية: مَن هم أولي الأمر ؟ أولو الأمر، أولو يعني أصحاب، الأمر معرَّف، هذا تعريف أي أمرٍ هذا ؟ مثلاً تقول: نحن عايشين بالشام، تقول: نحن في هذه المدينة، أي مدينة ؟ هذه ألف ولام أل العهد، واضحة كالشمس، أنت عائش بإمارة تقول: جاء الأمير، أي أميرٍ هذا ؟ أمير البلاد، عايش في جمهورية تقول: جاء الرئيس، أي رئيسٍ هذا ؟ رئيس الجهورية، عايش في مملكة تقول: جاء الملك، أي ملكٍ هذا ؟ ملك البلاد، قال العلماء: هذه ( أل ) العهد، المعهود المعروف، شيءٌ كالشمس واضح، إذاً أولو بمعنى ذووا..
﴾أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴿
ما معنى الأمر ؟ في أمر جندي، أحياناً يأتيك أمر من موظَّف، يأتيك أمر أن تلتحق بالخدمة الإلزامية ـ هذا أمر ـ يأتيك أمر من وزير التموين أن السعر صار كذا، يأتيك أمر من وزير الداخلية المغادرة فيها رسم خروج، هذا أمر كذلك، يأتيك أمر من وزير التربية الافتتاح يوم خمسة عشر أيلول، هذا أمر، يأتي أمر من وزير التعليم العالي العلامة مائتي وعشرين طب، هذا أمر، في مليون أمر عندنا، فإذا قال الله:
﴾الْأَمْرِ ﴿
مليون أمر، مليار أمر في عندنا، أحياناً تكون في الخدمة الإلزامية يأتيك أمر من عريف يضع شارة (7) يقول لك: ازحف، هذا أمر كذلك، أي أمرٍ مقصودٍ به، أي أمر ؟ حينما جاء الأمر معرفاً بـ (أل) فما هذا التعريف ؟ تعريف العهد، أي أمر الله، هذا أمر الله، أمر في أعظم من الله عزَّ وجل ؟ إذا قال الله: الأمر، أي أمر الله، أمر صاحب الأمر، أمر قيّوم السماوات والأرض، أمر الخالق، أمر المربي، أمر المسيِّر، أمر الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المُهَيْمن، العزيز، الجبار، المتكبر، هذا الأمر..
﴾أَطِيعُوا اللَّه َ﴿
هذه واضحة أي خالق الكون..
﴾وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴿
محمداً صلى الله عليه وسلَّم صاحب الرسالة، والمؤيَّد بالمعجزة وهي القرآن الكريم. أما..
﴾وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم ﴿
يعني أصحاب الأمر، مادام الأمر مُعَرَّف وفي مليار أمر بالأرض، وأولي الأمر، في أمر يقول لك: يجب أن ندخل على الوزارة الفلانية ونقوم بتفتيشها، هذا أمر، من إنسان عدو مثلاً، أما..
﴾وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴿
أي أمرٍ هذا ؟ أمر الله، لكن ما معنى أصحاب الأمر ؟ هم الذين أصدروه ؟ لا، بل هم الذين عَرَفوه، ونقلوه، مَن هم إذاً ؟ العلماء، والذين نفَّذوه مَن هم إذاً ؟ الأمراء، فأولو الأمر برأي الإمام الشافعي هم الذين عرفوا الأمر ؛ وهم العلماء، ونقلوه وبينوه وهم العلماء، ونفذوه وهم الأمراء.
فأنت معك أمر من صاحب الأمر، من صاحب الأمر وحده وهو الله عزَّ وجل الذي أمر ونهى، فالذي عرف الأمر والنهي عالم، والذي استخدم سلطانه في تنفيذ الأمر والنهي الأمير، فأنت مكلَّفٌ أن تطيع العلماء والأمراء بشرطٍ أساسي أن تطيع العالم إذا نقل لك بأمانةٍ أمر رسول الله، أمر الله ورسوله، إذا نقل لك بأمانةٍ تامةٍ مطلقةٍ أمر الله وأمر رسوله. إذا أطعته فهل أنت في الحقيقة تطيعه ؟ أجيبوني، إن أطعت عالماً نقل لك بأمانةٍ تامةٍ أمر الله ورسوله فأنت لا تطيعه، إنك بهذا تطيع الله، هو ـ كما يقول بعض الدعاة إلى الله ـ هو دلاَّل على بضاعة الله عزَّ وجل، البضاعة بضاعة الله، التوجيهات توجيهات الله، الأوامر أوامر الله، النواهي نواهي الله، إلا أنه عرفها فنقلها لك بأمانة، هذا كل ما في الأمر، هذا الذي قاله الصديق رضي الله عنه: " إنما أنا متبع ولست بمبتدع ". أحد علماء دمشق الأكارم، رحمه الله توفي، نصح ابنه، وابنه صديقٌ لي، وهو خطيب في دمشق، قال: نصحني والدي بثلاث نصائح، لإيجازها واختصارها تكتب على خاتم، قال له: " اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع "، اتبع أنت لست مبتدعاً أنت متبع، هكذا قال سيدنا الصديق: " إنما أنا متبع ولست بمبتدع "، إذاً ما في عندنا عالم يعطي شيء من عنده، وإلا هذه مقامرة ومغامرة، مخاطرة كبيرة جداً، إن أصاب وقد لا يصيب، وإن أخطأ فقد ضيعنا آخرتنا كلها..
﴾أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴿
فأنت ملزم أن تطيع الذي يعرف الأمر، لك أستاذ، لك مرشد، لك طالب علم ؛ يتعلم ويعلمك، فأنت وثقت بعلمه، وبإخلاصه، واستقامته وقال لك: يا بني هذا أمر الله، هذه الآية وهذا الحديث، فأنت ملزمٌ أن تطيعه، لأنه نقل لك بأمانةٍ أمر الله ورسوله، وإذا كنت في بلدةٍ وفيها أمير، وطبَّق أمر الله عزَّ وجل، أنت عملت ميزاب فآذى المارة في الطريق، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
" لا ضرر ولا ضرار ". فجاءتك مخالفةٌ تحت طائلة العقوبة بإزالة هذا الميزاب، فأنت لأنك مسلم ومؤمن يجب أن تطيع هذا الأمر التنفيذي، واضح تماماً ؟
﴾أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴿
أي الذين يعرفون أمر الله وينقلونه، والذين ينفِّذون أمر الله عزَّ وجل. فأيُّ أميرٍ ألزمك بأن تفعل شيئاً ورد في الكتاب والسنة فطاعته من طاعة الله عزَّ وجل، القاضي أحياناً يلزم الزوج بالنفقة، فطاعة هذا القاضي من طاعة الله، القاضي أحياناً يلزم الزوج بإراءة ابنِه لأمه، هذا الأمر من أمر الله ورسوله، أي أمرٍ جاءك من قاضٍ، من أمير، من إنسان ولاَّه الله عليك، من مدير ثانوية، وقد تأخرت على طلابك، فوجَّه لك إنذار، هذا من أولي الأمر، لأنك إذا أتيت في الوقت المناسب فقد نفذت أمر الله عزَّ وجل، وأمر النبي الكريم لقوله:
(( إياك وما يعتذز منه ))
النبي نهاك عن أن تفعل شيئاً تضطر أن تعتذر منه، هكذا المجتمع المسلم، فلو مُنع إدخال بضاعة مؤذية تفسد أخلاقنا، فهذا المَنع من أولي الأمر، ويجب أن يطبَّق، إذاً، الآن واضح، أولي الأمر الذين يعرفون أمر الله هم العلماء، وينفذونه هم الأمراء.
لكن تتمة الآية فيها مشكل، قال:
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴿
فمع مَن ؟ فهل الخطاب الآن موجه بالمنازعة بين آحاد المسلمين ؟ لأن في عندنا قرينة مانعة، الآن المنازعة بين آحاد المسلمين ؟ لا، الآن قال:
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴿
أين الثالث ؟ ما بيَّن، معنى هذا مع مَن المنازعة ؟ فإن تنازعتم مع أمرائكم، أو تنازعتم مع علمائكم، هل العلماء معصومون ؟ لا، وكل مَن يدَّعي عصمة العلماء فقد خالف عقيدة أهل السنة والجماعة، ولكن إذا كان العلم غير معصوم أيشرب الخمر مثلاً ؟ لا، أعوذ بالله، غير معصوم أي أنه حريصاً حرصاً بالغاً على ألا يخطئ لكنه ليس معصوماً، يمكن أن يقع منه بعض الخطأ غير المقصود، وغير الكبير، لكن القاعدة الأساسية أن النبي عليه الصلاة والسلام معصومٌ بمفرده، بينما أمته معصومةً بمجموعها.
والذي يحدث أنه إذا إنسان ألقى محاضرة، ووقع في خطأ في بعض أفكارها، وله أخ مؤمن صوَّب له آراؤه، صار غير المعصوم الثاني عصمه، الثاني غير معصوم بموضوع الأول عصمه، فالمسلمون يتكاملون، ويتعاونون، ويتناصحون، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمنون بعضهم لبعضٍ نصحةٌ متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعضٍ غششةٌ متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ))
قال:
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴿
مَن هو الحَكَم ؟ لو تنازعت مع رجل يدعو إلى الله مَن هو الحَكَم ؟ كتاب الله وسنَّة رسوله، قالها النبي في حجة الوداع، وفي خطبة الوداع:
(( اني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ؛ أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله وعترتي ))
فلن تضلوا بعدي أبداً، هذا هو الميزان، هذا هو المقياس كتاب الله، وتفاصيل كتاب الله بسنة رسول الله، وهذا معنى الحكمة التي جاءت بعد الكتاب..
﴾هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴿
الكتاب والحكمة أي والسنة، الكتاب والسنة. إذاً إذا حصل منازعة بين المؤمنين وبين أولي الأمر، إنِ العلماء أو الأمراء فالحَكَمُ هو الكتاب والسنة، لذلك ارتاح وريِّح لا تقبل شيء إلا بالدليل من الكتاب والسنة، ولا ترفض شيء إلا بالدليل من الكتاب والسنة، ارتاح وريِّح، لا تعوِّد مَن يعلمك أن تقبل منه شيئاً بلا دليل، إذا عوَّدته أن تقبل منه بلا دليل تجده يشتطُّ عندئذٍ، أنت كذلك كمتعلم عاون هذا الذي يعلمك، فكلما قال لك: افعل، قلت له: يا سيدي ما الدليل ؟ الصحابة فعلوا هذا ؟ والله فعلوا هذا، مع مَن فعلوه ؟ مع النبي، صلى صلاة الظهر ركعتان، سألوه، يتموا ساكتين ألم يستحوا ؟ هذا دين، قالوا:
ـ يا رسول الله الصلاة قصرت أم نسيت ؟ ـ قال: كل هذا لم يكن. أنا ما نسيت، والصلاة ما قصرت، والصحابي جريء جداً وأديب. ـ قالوا: بعضه قد كان. هذا خبره آحاد، فالنبي طلب التواتر، فلما طلب التواتر عرف أنه صلَّى ركعتين. ـ فقال: إنما نُسِّيت كي أسنَّ لكم. لو أن الصحابي ظل ساكتاً لما عرفنا الحكم، فأنت كمسلم هذا دين ما في معه مزاح، إذا سمعت فكرة لم تفهمها لا تظل ساكت، ما في مجاملات بالدين، هذا ليس حياء بل هذا جهل، حكم ما فهمته سيدي هذا الحكم والله ما فهمته، ما هو دليله ؟ هل هناك آية، حديث ؟ الشيخ يخلصك ؟ لا يخلصك الشيخ، أبلغ من ذلك لو أنك انتزعت من فم النبي صلى الله عليه وسلم فتوى لصالحك ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله، ما أحد يخلصك، لا يخلصك شيخ، ولا يخلصك رسول الله لو أنك أوهمته وانتزعت منه فتوى لصالحك ولم تكن بها محقاً، لقول النبي في الحديث الصحيح:
(( لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر فإذا قضيت له بشيء فإنما أقضي له بقطعةٍ من النار ))
يا إخوان... هذه آية مهمة جداً، هذه الآية من أخطر الآيات في ثبات الحق ، الحقيقة الإسلام جاءنا من عند رسول الله، ما الذي يضمن لنا أن يستمر الإسلام أربعة عشر قرناً دون أن يشوَّه ؟ ثلاثة أشياء ؛ ألا يضاف عليه شيء، وألا يحذف منه شيء، وأن نفهمه كما أراد الله ورسوله. أي ألا يضاف، وألا يحذف وألا يؤوَّل، إذا ضمنا ألا نضيف شيئاً، وألا نحذف شيئاً، وألا نؤول وفق أهوائنا، أي ألا نجر الآيات إلى أهوائنا، إذا ضمنا هذه الأشياء الثلاثة إذاً الإسلام يستمر كما بدأ، أما الإسلام بدأ ديناً عظيماً وانتهى بالرقص، يلبسوا ثياب بيضاء فضفاضة، ويدوروا تصير شمسية، أهذا هو الدين ؟ هذه فرقة، أو صار الإسلام أن تقف في مسجد وأن تقفز قفزةً مترين وأن ترجع، وأن ترقص، أقال الله حينما عبدتموه: كلوا أكل البهائم وارقصوا لي ؟ هذا هو الدين ؟ إما دوران، أو قفز، أو طرب، أو ضرب شيش، كي يستمر الدين كما بدأ.
كي يكون الدين كما كان على عهد رسول الله، هذا الدين متألق الذي فُتِحَت به أرجاء المعمورة، ما كان رقصاً، ولا قفزاً، ولا غناءً، ولا ألعاباً، ولا بهلوانيات، بل هو حق، والتزام، ومنهج، ودستور، ومبادئ، وقيَم، ودولة، هكذا الإسلام، فنحن حريصون حرصاً لا حدود له على أن يكون الدين كما بدأ، أن يبقى في نقائه، وصفائه، ومنطقيته، وعقلانيته، وصحة نصوصه كما بدأ، إذاً ينبغي ألا نضيف شيئاً، وألا نحذف شيئاً، وألا نؤوِّل وفق أهوائنا. فبالقرآن لا تستطيع أن تقول: هذه ليست آية، كيف تحتال على تعطيلها ؟ بتأويلك، أما الحديث ممكن إذا إنسان ضعيف في علم الحديث يقول لك: هذا الحديث ليس بصحيح، وإذا كان صحيح وما أحبه يقول لك: هذا غير صحيح، بالقرآن لا تستطيع أن تقول: هذا ليس صحيح، تحتال على تعطيل الآية بتأويلها، أما في الحديث قد تنفي هذا الحديث، لذلك نحن نريد أن يبقى الإسلام كما بدأ، ولا يبقى كما بدأ إلا بعدم إضافة شيء، وعدم حذف شيء، وألا يؤول إلا وفق ما أراد الله عزّ وجل، قال:
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴿
أي إن تنازع المسلمون المؤمنون مع أولي الأمر ؛ علماءً أو أمراءً فالحكم بينهم الكتاب والسنة..
﴾فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ﴿
كلمة (إلى الله) أي إلى القرآن الكريم، قال لك واحد: كل عملك ما له قيمة، ما هذا الكلام ؟ مَن قال لك ذلك ؟ هذا خلاف ما قال الله عزَّ وجل، الله عزَّ وجل قال:
﴾فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ﴿
هذا الكلام خلاف الآية، قال لك: يجب أن تخاف. مِن ماذا ؟ إن تركت إنسان يجب أن تخاف ؟ فهذا ليس نبياً بل هذا إنسان، حوَّلت من إنسان لإنسان، وهذا خلاف السنة، النبي قال:
((لا يخافن العبد إلا ذنبه ))
لذلك فرَّقوا بين الأمر التكليفي والأمر التنظيمي، الرماة الذين عيّنهم النبي في جبل الرماة في معركة أُحد، ألم يخالفوا أمر النبي ؟ فهل خالفوا أمراً تكليفياً من عند الله أم أمراً تنظيمياً ؟ تنظيمي، إذا قلنا: يا إخوان في عندنا بابين فرجاءً اطلعوا من اليمين، هذا أمر تنظيمي، واحد طلع من اليسار، فقد خالف، ولكن ماذا خالف ؟ خالف أمر تكليفي ؟ لا، فرقٌ كبيرٌ كبيرٌ كبير بين أن تخالف أمراً تكليفياً ؛ أن تكذب، أن تغتاب، أن تأكل مالاً حراماً، وبين أن تخالف أمراً تنظيمياً. فرقٌ كبيرٌ كبير بينهما، فالذي يختلف عنده الأمر التكليفي من الأمر التنظيمي هذا لا يعرف حقيقة الأمرين، إذاً:
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ﴿
معنى إلى الله أي إلى كتاب الله، وقد تجد من يقول لك: أخي لأن فلان تنازع مع فلان ليسا مؤمنين، لا، الله قال:
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ ﴿
ممكن أنت يكون لك وجهة نظر، ولأخيك وجهة نظر، والحكم بينكما كتاب الله وسنة رسوله..
﴾فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴿
النبي نهانا عن أكل الضفدع، انتهى هناك نص، وهو يبلغنا تعليمات الصانع، سمح لنا بأن نأكل السمك دون أن يذبح..
انتهى، طبعاً ما قاله الله عزَّ وجل وما قاله النبي هو الحَكَم، إذاً هذه الآية أساسية، حفاظاً على وحدة المسلمين، وعلى اتحاد كلمتهم، وعلى تماسكهم، وعلى ريحِهِم القوية، وعلى سمعتهم العطرة، هكذا أمرنا الله عزَّ وجل:
﴾أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم﴿
إذا أنت آمنت أن الله عزَّ وجل تشريعه وكماله مطلق، والنبي معصوم ولا ينطق عن الهوى، فمرحباً بكتاب الله وسنة رسوله.
بالمناسبة سنأتي ببعض الأمثلة، الله عزَّ وجل قال:
﴾وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴿
مامعنى (يبغي) ؟ يعني بعضهم يأخذ ما ليس له، مَن هم الخلطاء ؟ الشركاء، الأزواج، الجيران، الأخوات، الإخوة، معنى خليط أي أيُّ إنسانٍ تخالطه ؛ بعقد، برحلة، بنُزهة، ببيت، بشراكة، بمشروع، بدراسة، بخدمة إلزامية، فلو فرضنا وضعوا الأكل على الطعام، وفي بالقصعة ست قطع لحمٍ، وست أشخاص جالسين، لو واحد أكل أول قطعة وأكل الثانية، هذا ما بغى ؟ بغى، فالخليط هو مَن تخالطه إما مخالطة طارئة أو دائمة، أطول مخالطة الزوجة، قال:
﴾وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴿
هم كُثر، قال:
﴾إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴿
مَن يكمل ؟
﴾وَقَلِيلٌ مَّا هُم ْ﴿
استنبط العلماء على أن الذي يبغي لى صاحبه ليس مؤمناً، استنبط العلماء، من هذه الآية قطعية الدلالة، على أن الذي يبغي على صاحبه ليس مؤمناً، ممكن نحكم حكم قطعي على إنسان أكل حق شريكه ظلماً بأنه غير مؤمنٍ، ولو صلى، وصام، وزعم أنه مسلم، ما قولكم ؟ بنصِّ هذه الآية.
اسمعوا الآيةالثانية:
﴾وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴿
أي مستحيل، أشد أنواع النفي في القرآن الكريم هذه الصيغة، ما كان لفلان أن يأخذ ما ليس له، هذا العلماء سموه: هذا نفي الشأن وليس نفي الحدث، لو فرضنا التقينا مع أكبر سارق، وافتقدنا قلم نقول له: هل أخذت هذا القلم ؟ يقول: لا لم آخذه، هو آخذ ملايين ولكن هذا لم يأخذه، فهو نفى أن يكون سارقاً، ماذا نفى ؟ نفى سرقة هذا القلم، هذا نفي الحادث، أما إذا قلنا: ما كان له أن يسرق، أي هذا مستحيلٌ في حقه، شأنه لا يقبل السرقة، ليس من شأنه أن يسرق، ولا يحب أن يسرق، ولا يرضى أن يسرق، ولا يقبل أن يسرق، ومستحيل أن يسرق، نفي الشأن أبلغ من نفي الحَدَث، اسمعوا ماذا قال الله عزَّ وجل، قال:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
أي حينما ترى كلام الله ؛ يأمرك بأمر، أو ينهاك عن نهي، وأنت تفكر معقول هذا ؟ أفعلها أم لا أفعلها ؟ ما لك مؤمن، بكل بساطة، وبكل صراحة، إذا ممكن تتردد بأمر قطعي الدلالة في القرآن تتردد، مثلاً والله سيأتينا ضيوف اليوم، في اختلاط، نقعد معهم أم لا نقعد؟ والله شيء يحير، إن ما قعدنا معهم يقولوا: هذا بوش وحده، وإن قعدنا معهم أعتقد غير معقول نقعد معهم، هذا ليس مؤمن، مادام الاختلاط ممنوع ومحرَّم غليس هناك تردد إطلاقاً، أنت كمؤمن تعلم أن هذا أمر الله عزَّ جل واضح وضوح الشمس وتتردد ؟!..
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
إذاً أنت كمؤمن مشكلتك واحدة فقط أن تعرف ما هو الأمر ؟ إذا عندك إرادة كافية، وعزيمة كافية، وتصميم، وإصرار، واندفاع إلى طاعة الله، العقبة أن تعرف أين أمر الله ؟ ما الذي يرضي الله ؛ أن أعطي أم ألا أعطي ؟ يا ترى لي جار ليس مسلماً، وهو في مرضٍ عضال، ويحتاج لمساعدتي، يا ترى هل يرضي الله أن أساعده ؟ مشكلتك أين أمر الله، في آية بهذا المعنى من أسابيع فسَّرتها، أنه:
﴾ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ﴿
الله يخاطب مَن ؟ يخاطب المؤمنين..
﴾وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ﴿
أيها المؤمنون..
﴾شَنَآَنُ قَوْمٍ﴿
لشنآن أشد أنواع البُغض، يعني لا يحملنَّكم بغضكم الشديد لقومٍ..
﴾عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴿
عهم، قال:
﴾اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴿
أي يا عبادي، يا أيها المؤمنون إذا توهمتم أنني أرضى عنكم إذا ظلمتم الكفار أعدائي، إذا ظلمتموهم، إذا أكلتم حقوقهم، إذا لم تنصفوهم، إذا توهَّمتم أنني أرضى عنكم بهذا، اعلموا علم اليقين أنني لا أرضَ..
﴾اعْدِلُوا
﴿
عهم.. مع أعداء الله..
﴾هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴿
قرب لمحبتي، أقرب لطاعتي، أقرب لنجاتكم. هذا الدين، أنا أركز على النقطة: المؤمن مشكلته فقط أين أمر الله ؟ ما الذي يرضي الله، أعطي أم لا أعطي ؟ لك قريب لا يصلي، فقير جداً وعنده أولاد، يا ترى أريد الحكم الشرعي يا أخي، أعطيه أم لا أعطيه ؟ مشكلة المؤمن فقط في معرفة الأمر، لأن عنده إيمان بالله كافي، وعنده رغبة أكيدة في طاعة الله، وعنده اندفاع شديد لإرضاء الله، لكن مشكلته أن يقف على أمر الله، أن يقف ما الذي يرضي الله ؛ في العطاء أم في المنع ؟ في العفو أم في المحاسبة ؟ في الزيارة أم في القطيعة ؟ لي أنا أقرباء يا أستاذ ليسوا ملتزمين بالدين، يسخرون من الدين، هل أزورهم أم لا أزورهم ؟ ما الذي يرضي الله عزَّ وجل ؟
فبيني وبينكم ما لك غير مشكلة واحدة بعد أن تعرف الله، أو بعد أن عرفت الله لك مشكلة واحدة أن تبحث دائماً وكل يوم عن الذي يرضي الله، يعني أن تعرف الحكم الشرعي، أنا لي حق أعطي أم لا أعطي ؟ أغضب أم لا أغضب ؟ أسامح أم أحاسب ؟ ما الذي يرضي الله ؟ لذلك المؤمن شغله الشاغل البحث عن أمر الله، لأنه بالكون عرف الله، فكيف يعبده ؟ يعبده لا وفق هواه، المشكلة في العبادة أنه يجب أن تعبد الله، وأنه يجب أن تعبد الله وفق ما يريد الله، لا وفق ما تريد أنت. يا ترى أنا لي حق أقسو مع إنسان كي أرجعه للدين ؟ مَن قال لك هذا ؟ لعلك إذا قسوت عليه تبعده عن الدين كله، فقد تقول: أنا نيتي عالية، وأنا نيتي أن أقربه زيادة فهرب، أنت الآن عبدت الله ولكن لا وفق ما يرضي الله بل وفق ما يرضيك أنت، لذلك قال الإمام الفضيل: " العمل لا يقبل إلا بشرطين إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وفق السنة ". الآن ؛ عملٌ وافق السنة ولم تكن به مخلصاً، لا يقبل، عملٌ كنت به مخلصاً ولم يوافق السنة، لا يقبل، العمل لا يقبل إلا بشيئين ؛ إذا كان خالصاً لله وصواباً وفق السنة، وهذا معنى قوله تعالى:
﴾وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴿
العمل الصالح مقيَّد بأن يرضى الله عنه.
أيها الإخوة الأكارم... هذه آيةٌ دقيقةٌ جداً:
﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴿
وكل إنسان لا يقبل بحُكم الله في القرآن، أو لا يقبل بحكم النبي، هذا إنسان ضال مُضل، آية كالشمس واضحة تقول بخلافها ؟!!
حدثني أخ كان بمؤتمر إسلامي قال لي: جلس إلى جانبي مفتي بلدة إسلامية كبيرة، ولكن البلد ليس عربياً في الأصل بل هو من بلاد الشمال، لفت نظري أن خاتماً من الذهب في أصبع هذا المفتي، فقال له ـ طبعاً باللغة المترجمة ـ أن هذا حرام، قال له: مَن قال لك حرام ؟ أبو حنيفة أجازه، فذكر له الحديث الشريف، قال له: أقول لك أبو حنيفة وتقول يقول رسول الله هكذا ؟ هذا جاهل جهل كبير، أنا أقول لك أبو حنيفة قال وأنت تقول لي رسول الله نهى ؟ طبعاً رسول الله نهى، هو الأصل رسول الله، يجب أن تعرف مَن هو النبي ؟ المشرع، انتهى الأمر.أدق فكرة بهذا الدرس هي: أنك بعد أن عرفت الله لك أمر واحد هو أن تتقصَّى أمر الله، في بيتك ؛ يا ترى مع زوجتك التساهل أولى أم التشدد، ما الذي يرضي الله ؟ يجب أن تبحث عما يرضي الله، مع شريكك التساهل أم التشدد ؟ مع ابنتك بماذا آمرها ؟ عن أيّ شيءٍ أنهاها؟ لذلك طلب الفقه حتمٌ واجبٌ على كل مسلم، أنت أحببت إنسان حب شديد الآن أنت تغلي، كيف أرضيه ؟ كيف أتقرب إليه ؟ تتقرب إليه بتنفيذ أمره، إذاً أنت بالكون تعرف الله، وبالشرع تعبده، إذا عرفته ولم تعرف كيف تعبده، ما استفدنا شيء، الله عزَّ وجل قال:
﴾وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴿
وإذا عرفت أمره ولم تعرفه لا تعبده.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام، هذا حديث في البخاري، فيما رواه الإمام البخاري ومسلم. بالمناسبة أعلى أنواع الأحاديث بالقمة، ما هو ؟ الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم، قال: روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام:
(( مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن يطع الأمير فقد أطاعني ـ أي أمير ؟ الذي ينفذ أمر الله ـ ومَن يعصي الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جُنَّة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجراً، وإن قاتل بغيره فإن عليه منه ـ أي من الوزر ))
إذاً هذا الحديث يأمرنا أن نطيع الله، وطاعة الله بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعة أولي الأمر، وأولي الأمر هم العلماء الذين ينقلون لك أمر الله ورسوله، والأمراء الذين ينفذون أمر الله ورسوله.
* * *الموضوع الثاني: وأرجو الله سبحانه وتعالى في درسٍ قادم أن أوسِّعه هو أن هناك أخطاءً كثيرةً لكنها لا تمس عقيدة المسلم، ولا تمس كيانهم الواحد، أما الأخطاء التي تمس عقيدتهم ؛ أي البدع، أو الأخطاء التي تفتت كيانهم، فهذه في الدين جرائم لا تغتفر، وقد حرَص الإسلام حرصاً لا حدود له على وحدة المسلمين، واحد دخل لمسجد في إمام يصلي وراءه، قال:
(( صلوا وراء كل برٍ وفاجر ))
من اجل الوحدة، هذا ليس من شأنك، هذا شأنه مع الله، أما شأنك كمسلم أن تصلي وراءه، أما كلما صلَّى يقول: هذا من أين الإمام ؟ دخله حلال ؟ أنت ما لك ودخله ؟ صرنا فئات متناحرة، متباغضة، كل واحد طعن بالآخر، فتفتتنا، فالإسلام حريصٌ حرصاً بالغاً..لذلك..
روى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( مَن خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهلية، ومن قاتل تحت رايةٍ عُمِيَّةٍ يغضب لعصبيةٍ، أو يدعو لعصبيةٍ، أو ينصر عصبية فقتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب بَرَّها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يثب بعهدٍ بعهده فليس مني ولا منه ))
أحاديث كثيرة جداً إن شاء الله نأخذها في الدرس القادم تبين قيمة الوحدة بين المسلمين، والتعاون، والتماسك، والتناصر، والتناصح، والمسلم الحقيقي هو الذي يتعاون مع أخيه فيما اتفقا ويعذره فيما اختلفا، الخلاف لا ينبغي أن يفرِّق بيننا، لك وجهة نظر في قضية جزئية، ولي وجهة نظر في قضية جزئية، أما في الكليات متفقون نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا.كل هذه الدروس تنطلق من أن الطابع الجماعي طابعٌ أساسيٌ في حياة المسلمين، فالتفرقة، والطعن، والتنابذ، والتدابر، والخصومات هذه كلها من شأنها أن تضعفنا جميعاً، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نتعاون، وأن نتحابب، وأن نتماسك، وأن نتناصر، وأن نتناصح، هذا هو الذي يرضي الله عزَّ وجل.
إلى درسٍ قادمٍ إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين
|
التسميات
- أبو إسحاق الحويني
- أحكام الصلاة
- أصحاب الرسول
- الإسلام
- الايمان
- البيت السعيد
- التربية الاسلامية
- التربية عن طريق.....
- الخلفاء الراشدين
- الدعوة إلى الله
- الرسائل
- الرسول
- الرسول صلى الله عليه وسلم و الحقوق
- السباب
- الصحابةالأجلاء
- الصلاة
- الصلاة المكتوبة
- العقيدة
- القرآن
- اللأمة الأربعة
- المرأة المسلمة
- المرأة في الاسلام
- المسلم الصغير
- تربية الاطفال
- دعوة نسائبة
- زاد الداعية
- صلاة التطوع
- صلاة المواسم
- علم النفس الإسلامي
- عن الرسول
- قصة الرسول
- قصص القرآن
- للنساء فقط
- مع الرسول
- معالم إسلامية
- مقالات دعوية
- مقالات نورانية
- مواضيع القرآن
- نحن و الاولاد
- نصائح للشباب
- islam
- islam-الاسلام
مختارة
الاحدث
أضف تعليق:
0 comments: