لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الرحمة :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم: "الرحمة".
أُذكركم أيها الأخوة بأن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
من معاني هذه الآية أنك لا تتقرب إلى الله بأعظم من أن تتخلق بكمالٍ من كمالاته، فالله جلّ جلاله رحمن رحيم، وأفعل وسيلةٍ للتقرب إليه أن ترحم عباده، فإذا رحمتهم وصلت إليه، علاقة هذا الموضوع بهذه السلسلة من الدروس علاقة وشيجة، أنت حينما ترحم من حولك تستطيع أن تتقرب إلى الرحمن الرحيم. فلذلك:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
ولكن سوف نقف في هذا اللقاء الطيب عند بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الرحمة.
الله جلّ جلاله خلقنا ليرحمنا و يسعدنا :
بادئ ذي بدء: الله جلّ جلاله خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، وقد يقول قائل: فما بال هذه المصائب وما أكثرها؟ نقول: المركبة السيارة صنعت من أجل أن تسير، علة صنعها السير، ما بال المكبح فيها؟ المكبح من حيث المنطلقات يتناقض مع علة صنعها، المكبح يوقفها وصنعت كي تسير، لكن المكبح أعظم ضمانةٍ لسلامتها، أعظم ضمانة لسلامة المركبة المكبح مع أنه يتناقض فكرياً مع علة صنعها.
فلذلك المصائب لها حكمةٌ بالغةٌ بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. لذلك بعض علماء العقيدة يرى أنه ينبغي أن تذكر بعض أسماء الله الحسنى مثنى مثنى، المعز المذل معاً، يذل ليعز، الخافض الرافع، يخفض ليرفع، الضار النافع، يضر لينفع، المعطي المانع، يمنع ليعطي. لذلك ورد:
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ـ لأنه مؤقت ـ ولم يحزن لشقاء ـ لأنه مؤقت ـ قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي))
الحب أصلٌ في الدين :
إذاً الآية الأولى:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
كان من الممكن أن يحملنا ربنا قسراً على الهداية، هذه الهداية القسرية لا تسعدنا إطلاقاً، لذلك أراد أن تكون علاقته بنا علاقة حب، قال:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ما أرادنا أن نأتيه إلا طائعين، إلا مختارين، إلا بمبادرةٍ منا، قال:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
قال:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
أي ما أراد الله أن تكون علاقته بنا علاقة قسر، ولا قهر، ولا إكراه، علاقة حب.
فلذلك الحب أصلٌ في الدين لأن الإنسان في الأصل عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب.
الله عز وجل أعطى الناس حرية الاختيار :
لذلك:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
ولا يزالون مختلفين لأنه خلقهم مخيرين:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
لكنه شاء أن يعطيهم حرية الاختيار، وشاء لهم أن يأتوه طائعين، مختارين، بمبادرةٍ منهم، ولا يزالون مختلفين لأنهم مخيرون، دقق:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقنا ليرحمنا، والله أناسٌ كثيرون يقولون لك: سبحان الله! خلقنا للشقاء، من قال لك ذلك؟ هذا خلاف القرآن
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
أيّ إنسان شاء رحمة الله يصل إليها لأنها مبذولةٌ لكل مخلوق :
الآن الآية الثانية:
﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
على من تعود يشاء؟ تعود على الإنسان بدليل ما سيأتي بعدها.
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
لأن فضله عظيم، أي إنسان شاء رحمة الله يصل إليها، مبذولةٌ لكل مخلوق.
﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
الله عز و جل في بعض الآيات وصف قرآنه بأنه مثاني، أي أية آيةٍ تنثني على أختها فتشرحها، ما الذي يؤكد أن فاعل يشاء نحن؟
﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
لأن قوله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
أبعد قلبٍ عن الله القلب القاسي :
الآن هذا النبي الكريم، سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، قال تعالى عنه:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
فكأن علة وجودنا أن يرحمنا ربنا، الآن أكبر طريق، وأوسع طريق، وأقصر طريق، وأوسع باب نصل منهما إلى الله أن نتخلق بالرحمة، إذاً من أهم موضوعات سبل الوصول وعلامات القبول أن تكون رحيماً، والدليل:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
أبعد قلبٍ عن الله القلب القاسي، والآية التي تبين قانوناً رائعاً هي قوله تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك كنت ليناً لهم، فالتفوا حولك، اتصال رحمة لين التفاف، يقابلها انقطاع قسوة غلظة انفضاض.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
هذه الآية أصل قانون يسمى قانون الالتفاف وقانون الانفضاض، أنت كأب، أو أنتِ كأم، أو أنت كمعلم، أو أنت كمرشد، أو أنت كداعية، أو أنت كمدير، أو كقائد، أنت محتاج إلى أن يلتف الناس حولك، أن يخضعوا، أن ينفذوا أوامرك، فالذي يدعو الناس إلى أن يلتفوا حولك شيءٌ خطير، هو أن تكون رحيماً، هذه الرحمة تنعكس ليناً في معاملتهم، هذا اللين يدفعهم إلى أن يلتفوا حولك:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
تمتع المؤمن بتصور من عند خالق السماوات والأرض :
والله أيها الأخوة، آيةٌ دقيقةٌ جداً يقول الله فيها:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
الأمور واضحة، المؤمن لأنه آمن بالله، وقرأ القرآن، عنده تصورات واضحة، رائعة، عميقة، دقيقة، متناسقة للكون، والحياة، والإنسان، عنده فلسفة للمصائب، عنده فلسفة للزمن، عنده فلسفة للحياة الدنيا، عنده فلسفة لما سيكون، المؤمن يتمتع بتصور من عند خالق السماوات والأرض. فلذلك قال:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
أي الأمور واضحة جداً جداً للمؤمن، حتى الذي يجري له تفسير عميق جداً، أضرب لكم بعض الأمثلة: قد تنشأ حرب أهلية في بلد، تفسر أحياناً تفسيراً دولياً إن هذا البلد نما مالياً نمواً عجيباً، فالغرب حطمه، ممكن، وهناك تفسير داخلي محلي، أي هناك صراع قوى غريبة عن هذا البلد، كل قوة معها وسائل، ومعها أسلحة، وما شاكل ذلك، نشبت حربٌ أهلية هذا تفسير محلي، وهناك تفسير طائفي، طوائف متناحرة من مئة عام، وهناك تفسير أنا أقول: نسواني، حكمتها عين، هذا تفسير نسائي، لكن هناك تفسيراً قرآنياً:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
السكينة يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء :
لذلك:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾
هذا صلة بالله، الشعور بالرضا، الشعور بالسعادة، السكينة يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، قال:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾
أي تجد مؤمناً موظفاً، ضارب آلة كاتبة، بيته صغير، دخله محدود، لكن له صلة بالله تراه أسعد الناس، كأنه يملك الدنيا وما فيها.
حدثني أخ قال لي: مرة طلبت امرأة مساعدة مني -هو رئيس جمعية- القصة طويلة ذهبوا إلى بيتها أقسم لي بالله، قال لي: بيتها تحت الدرج، لم يمر معه بيت بهذا المستوى، تحت الدرج، المساحة العالية غرفة، والأقل مطبخ، والأقل حمام، مع فسحة سماوية بسيطة جداً، أربعة أولاد كالوردات في البيت، ثيابهم نظيفة، دخلنا إلى البيت للتحقيق، ما هذا البيت؟! قال لي: والله أقسم لي بالله قبل يوم التقى مع رجل يملك أربعة مليارات، بقدر ما شكا همه لي لم أقدر على الوقوف، أربعة مليارات، البلد لم يعجبه، الشغل سيئ، لا يوجد سيولة نقدية أمامه، قال لي: طلبي هذه المرأة ألف ليرة في الشهر، فقرروا ألفين، قالت: ألف يكفي، معاش زوجي يكفينا نحتاج إلى أجرة هذا البيت، قال لي: أنا قبل يوم التقيت مع إنسان معه أربعة مليارات يشكو همه، وجدت هذه الأسرة المتواضعة تحت درج، لما أعطيناهم ألفين رفضت، قالت: يكفي ألف.
السعيد من يتصل بالله فيهبه الرضا و الطمأنينة :
عندما يسعد الله إنساناً، قد يكون بيته صغيراً، قد تكون حياته خشنة، لكن إذا اتصل بالله يكون سعيداً.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
الإنسان مخير، الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾
نحن جميعاً إن شاء الله نرجو رحمته، نرجو أن يرحمنا في الدنيا والآخرة، نرجو أن يقربنا، نرجو أن يتجلى علينا، نرجو أن يهبنا السكينة و الرضا.
أسباب رحمة الله :
1 ـ طاعة الله وطاعة ورسوله :
الآن هذه الرحمة التي يمتلئ القلب بها ما سبيلها؟ أنت بالرحمة ترحم، فإن رحمت تصل إلى الله.
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
قال:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
يرحمنا الله بطاعة الله ورسوله، بطاعة الله في قرآنه وطاعة الرسول في سنته.
﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
وأنت شيء، أنت ضمن رحمة الله.
﴿ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾
أي يتقون أن يعصوني، يتقون أن يغضبوني :
﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾
إذاً: طاعة الله، وطاعة ورسوله طريقٌ إلى رحمة الله، ورحمة الله طريقٌ إلى القرب منه، علاقة هذا الموضوع بسبل الوصول أنت حينما تكون رحيماً، وترحم خلقه، يسمح لك أن تتصل به، أو أن تصل إليه.
2 ـ تلاوة القرآن :
الآن سبب آخر من أسباب رحمة الله قال:
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
رحمة الله تأتيك من تلاوة القرآن، لذلك قال بعض العلماء: إذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء، وصليت فلم تشعر بشيء، وذكرت الله فلم تشعر بشيء، فاعلم أنه لا قلب لك، ابحث عن قلبٍ ذاكر، عن قلبٍ موصولٍ بالله عز وجل.
المؤمن يفرح بطاعته لله و بعمل صالح أجراه الله على يديه :
الآن ما الذي ينبغي أن تفرح له؟ يقول لك: أنا عندي وكالة حصرية، أرباحي باليوم مليون، هذا كلام موجود، أرباحه اليومية، أحياناً هناك مواد غذائية مستوردة لها رواج كبير جداً، فإذا كان وكيلاً حصرياً، و على المادة طلب شديد، لا يبالغ، أرباحه اليومية مليون كل يوم، قال: لا تفرح بهذا الدخل الكبير، بيل غيت يملك تسعين ملياراً، شاب ليس كبيراً في السن.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
لما قارون خرج من قوم موسى:
﴿ فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
لابد من أن تفرح، ولكن بماذا يفرح؟ المؤمن يفرح بطاعته لله، يفرح بفهمه لكتاب الله، يفرح بعمل صالح أجراه الله على يديه، يفرح أنه ربى أولاده، يفرح بأن دخله حلال، إنفاقه حلال، بيته إسلامي، يفرح أن الله وفقه بالدعوة إلى الله.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
مستقبل الإنسان في الآخرة لا في الدنيا :
أحياناً تدخل إلى بيت يقول لك: سعره مئة وثمانون مليوناً، لكن أين صاحبه؟ بالقبر، من اختار البلاط؟ المرحوم، من اختار الثريات الرائعة؟ المرحوم، من اختار هذا المنظر الطبيعي الرائع؟ المرحوم،
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
سبحان الله! الإنسان يجمع الدنيا لبنةً فوق لبنة، خلال عمر مديد، ثم يفقدها في ثانية واحدة. إنسان ساكن ببيت تحت الأرض شمالي، تقريباً عاش في البيت ثلاث وعشرين سنة، وهو يجمع ويجمع حتى تمكّن من شراء بيت، له إطلالة جميلة جداً، فجلس في الشرفة بأول يوم سكن فيه مع زوجته قال لها: الآن أمَّنا مستقبلنا ، ثالث يوم كان متوفى تحت الأرض، ليس هناك مستقبل، مستقبلك عند الله، مستقبلك في الآخرة،
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
الإنسان إن لم يعرف ربه حيثما تأتي كلمة إنسان معرفةً بأل فهو الإنسان قبل أن يعرف الله.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾
يفرح فرحاً باطلاً، وييأس يأساً باطلاً، يأس وباطل، وفرح وباطل، إلا إذا عرف الإنسان ربه.
3 ـ الإحسان :
الآن: الطاعة طريقٌ لرحمة الله، تلاوة القرآن طريقٌ آخر لرحمة الله، هناك طريق ثالث.
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
بالطاعة يرحمك الله، وبتلاوة القرآن يرحمك الله، وبالإحسان يرحمك الله.
الرحمة بيد الله لا بيد البشر :
الآن هذه الرحمة بيد الله لا بيد البشر، لذلك قال تعالى:
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
الأمر بيده وحده، علاقتك مع الله، يقول لك: معي فتوى من فلان، خير إن شاء الله! لو استطعت أن تنتزع فتوى من فم رسول الله ولم تكن على حق لا تنجو من عذاب الله.
(( إنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار))
4 ـ العلم :
الآن هناك موازنات بالقرآن:
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
معنى ذلك أن العلم طريقٌ لرحمة الله، أصبح الطاعة، القرآن، الإحسان، العلم، هذه كلها سبل الوصول إلى الله عز وجل.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
مهما كبر الذنب
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
القنوط واليأس كفرٌ بالله عز وجل :
لذلك أيها الأخوة، المؤمن لا يقنط أبداً، والقنوط واليأس كفرٌ بالله عز وجل، لكن الله عز وجل ينصحنا.
أخواننا الكرام، الإنسان أحياناً يعمل بالتجارة، بالزراعة، بالصناعة، بالخدمات، يحمل شهادة عليا، يكسب رزقه، في درجة أعلى من كسب الرزق، ينتقل إلى مرحلة اسمها الجمع، أي يجب أن يربح ثلاثين مليوناً، والله السنة الأسواق عاطلة، خسرنا خمسة ملايين، أي قلّ ربحه بمقدار خمسة ملايين، فهناك حالة تصيب التجار والصناعيين هي حالة الجمع، ينتقل من مرحلة كسب الرزق إلى مرحلة الجمع، المباهاة، كم حجمك المالي؟ والله ثلاثمئة مليون لا شيء، لنا أخ أربعة آلاف مليون، الآن الكلام بالمليارات، كان بالملايين الآن بالمليارات الله عز و جل يقول لنا:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
إلهٌ ينصحك، أنت تعرف ربك، مستقيم، تقرأ القرآن، لك أعمال صالحة، ربيت أولادك، لا تملك شيئاً من الدنيا،
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خيْرٌ﴾
من طاعتك، من إخلاصك، من تربية أولادك، من أعمالك الصالحة
﴿ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
قال له: أين تذهب؟ شاب بمقتبل العمر توفي والده من أسبوع، فالتقى به صديق والده، قال له: أين؟ قال له: ذاهب أسكر على روح أبي، خلّف له أموالاً طائلة، وهو جاهل ومنحرف،
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
رحمة الله تقتضي ألا يرد بأسه عن إنسان شرد عن الله عز وجل :
الآن أحياناً تقتضي رحمة الله أن يؤدبك.
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
تقتضي رحمة الله ألا يرد بأسه عن إنسان شرد عن الله عز وجل.
اعتزال من لا يعبد الله عز وجل و الابتعاد عنه :
أيها الأخوة، الآن أحد طرق الوصول إلى رحمة الله، قال تعالى:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾
مجتمع اختلاط، عرس مختلط، النساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، جلسة كلها كذب ونفاق، جلسة كلها غيبة ونميمة، جلسة كلها فتن:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
أي لا يعبدون الله، أما إذا عبدوا الله فينبغي ألا تعتزلوهم.
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ﴾
أعظم شيء في حياة الإنسان عمل صالح يلقى الله به :
الآن الجامع كهف، الآن بيتك كهف، ادخل إلى بيتك وصلِّ، ادخل إلى بيتك واقرأ القرآن، ادخل إلى بيتك و ربِّ أولادك:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾
لذلك النبي الكريم إذا دخل المسجد يقول:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
الرحمة في المسجد، فإذا خرج من المسجد:
(( اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك ))
في الحياة العامة تريد عملاً صالحاً يرحمك الله به، بالدخول للمسجد تحتاج إلى سكينة تتنزل على قلبك، فبالدخول:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
بالخروج:
(( اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك ))
قال:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ﴾
رحمة الله تأتينا من طاعته ومن الجهد الذي يُبذل للوصول إليه سبحانه :
أيها الأخوة، أحياناً:
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾
قال لي إنسان: والدي أمرني بتطليق زوجتي، قلت له: كيف زوجتك؟ قال لي: جيدة جداً يا أستاذ، صاحبة دين، محجبة، لكن أبي لا يحبها، قال لي: طلقها، ماذا أفعل؟ قلت له :لا تطلقها، قال لي: أليس سيدنا عمر أمر ابنه أن يطلق زوجته؟ قلت له: أبوك عمر؟ إذا كان أبوك عمر بن الخطاب فطلقها، لكن أباك ليس عمراً.
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ﴾
كن لطيفاً لكن لا ترد عليهم. قالت له: إما أن تكفر بمحمد أو أن أدع الطعام حتى أموت- أم سيدنا سعد بن أبي وقاص- قال: يا أمي لو أن لك مئة نفسٍ فخرجت واحدةً واحدة ما كفرت بمحمد، فكلي إن شئت أو لا تأكلي، أكلت فيما بعد.
أيها الأخوة، رحمة الله تأتينا من طاعة الله، وتأتينا من تلاوة القرآن، وتأتينا من العمل الصالح:
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
وتأتينا أيضاً من هذا الجهد الذي يُبذل للوصول إلى الله عز وجل.
والحمد لله رب العالمين
|
التسميات
- أبو إسحاق الحويني
- أحكام الصلاة
- أصحاب الرسول
- الإسلام
- الايمان
- البيت السعيد
- التربية الاسلامية
- التربية عن طريق.....
- الخلفاء الراشدين
- الدعوة إلى الله
- الرسائل
- الرسول
- الرسول صلى الله عليه وسلم و الحقوق
- السباب
- الصحابةالأجلاء
- الصلاة
- الصلاة المكتوبة
- العقيدة
- القرآن
- اللأمة الأربعة
- المرأة المسلمة
- المرأة في الاسلام
- المسلم الصغير
- تربية الاطفال
- دعوة نسائبة
- زاد الداعية
- صلاة التطوع
- صلاة المواسم
- علم النفس الإسلامي
- عن الرسول
- قصة الرسول
- قصص القرآن
- للنساء فقط
- مع الرسول
- معالم إسلامية
- مقالات دعوية
- مقالات نورانية
- مواضيع القرآن
- نحن و الاولاد
- نصائح للشباب
- islam
- islam-الاسلام
مختارة
الاحدث
أضف تعليق:
0 comments: