د. عامر أبو
سلامة
معضلة من
معضلات العمل الإسلامي تعيش غالبًا في ثنايا بطون الخجل، ربما كَمَنت
طويلاً، ولكنها تظهر في يومٍ من الأيام، وفي الغالب تظهر فجأة،
والحقيقة أنها موجودة وإن تأخر ظهورها، شأنها شأن كثير من الأمراض.
تظهر في
الغالب إذا اقترب موعد إنبات بذورها، وفي كثير من الأحيان تكون في غير
وقتها، وهنا تَكمُن إشكاليةٌ أخرى تزيد المشهد تعقيدًا، والقضية غموضًا
وتعقيدًا، تدفع في كثيرٍ من الأحيان إلى الوُقوع في حبائل الشيطان
ونزغاته، والانسياق وراء هوى النفس؛ فتخلط الأوراق، وتضيع الفكرة في
وسط ضبابية تفرضها - في كثير من الأحيان - هذه الزوبعات التي تثار بذلك
الشكل، الذي عادةً ما تثار فيه.
والحق أن هذه المعضلة، صنعت خارج
إطار ما هي عليه؛ ذلك أن المشكلة ليستْ في الموضوع
"المطروح"، ولكنها تكمن في شيء
آخر، فالحوار غالبًا لا يلامس ذات المعضلة، ولكن يضع يده على أعراضها،
وبالتالي فكلُّ جهدِه مُنصبٌّ على دائرة غير الدائرة المستهدَفة في
الحوار، فيتحول إلى حوار "طُرْشَان"،
أو ينتهي بخصومة تؤدي إلى ما نسمع به بين الفينة والأخرى.
• • •
بعض الشيوخ
يرى أن الشباب لا يمكن أن يَلُوا مفاصل
العمل في مؤسسة من المؤسسات؛ لأنهم إذا تولَّوا هذا المفصل فسوف يأتون
عليه، بحكم أنهم تنقصهم التجربة، وفيهم حماس في الغالب يكلفنا الكثير،
ويوقعنا في دوائر الخسارة والحرَج، ولا توجد تجرِبة مُرَّة إلا وراءها
وسببها قيادة شابة غير ناضجة، وليستْ مؤهلة لحمل الأمانة.
يؤكِّد أحدهم
هذه المسألة؛ فيقول: "الشباب
فيهم تهور، وعدم تقدير النتائج معروف عنهم"، ثم يسوق لك بعض
التجارب المؤلمة، ليؤكد صدق دعواه في الذي ذهَب إليه.
بعض الشباب
يرى أن الشيوخ قد أدَّوا ما عليهم، وجزاهم الله خيرًا،
"ويعطيهم العافية"، ظهر الترهل على كل شعبة من شعب حياتهم؛
جسدهم ضعف، فكرهم من مخلفات الماضي، لا يعيشون عصرهم، ولا يجيدون
التعامل مع مستجدات الحياة، وصار مكررًا لنفسه، لا جديد عنده، ولا
تطوير لذاته، والنتيجة أنهم قتلوا العمل، وجعلوا الحركة من مخلفات
الماضي، وكانوا سببًا في تخلف العمل الدعوي، وما الحال التي نراها في
الواقع، إلا أثرًا من آثار تلك القيادات (الشائخة) (المُهْتَرِئة).
فالحل: أن يتركوا العمل، ونفيد
منهم في بعض الأشياء المحدودة، ويتركوا الساحة لغيرهم من الأجيال
الصاعدة الجديدة الشابة، التي عليها المعول في قابل الأيام، ولا خير في
عمل لا يقوده الشباب.
• • •
والحق أن كثيرًا من الشيوخ -
ونسبة لا بأس بها من الشباب - على غير
هذه القناعة، وأعرف كثيرًا من الشيوخ الذين يهتمون بقضية الشباب
وإعدادهم؛ ليكونوا قادة المستقبل - بإذن الله تعالى.
وفي الحقيقة
إن هذه اللغة التي تنادي بإقصاء الجهة المقابلة - في تقديري - ليستْ
على صوابٍ، وأعني بهذا الجهتين؛ لذا لا بد من نظر آخر، يستوعب
الإشكالية بواقعية وصدق، ونظر صحيح وسديد، من خلال الرؤية الكلية
للمسألة، والتعرف إليها من كل أطرافها.
الشبابُ
هم عمادُ الأمة، ومستقبلها الباسم، وزهرتها التي تتفتح
بالتدريج، ووجهها النضر، وخيرها القادم، وأملها الحاضر، وقلبها النابض،
وروحها التي إذا ضاعتْ ماتت، ومؤسسة لا شباب
فيها لا حياة فيها.
هم العمل
الدؤوب، والجهد الكبير، والهمة العالية، وعليهم المعول في كثير من شعب
العمل، بل هناك جزء من العمل لا يمكن أن يقوم به إلا الشباب،
وهذا أمر معلوم معروف عبر التاريخ، من أيام رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -؛ إذ كان كثير من الصحابة الأُوَل - رضي الله عنهم جميعًا - من
الشباب؛ فهم الذين وقفوا مع رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - في حمل أمانة الدعوة، من الساعات الأولى التي
دخلوا فيها في الإسلام، وهم الذين آوَوا ونصروا، وجاهدوا وبذلوا،
وساسوا وقادوا، وتعلَّموا وعلموا، وكلَّف رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - بعضهم بمهام عظيمة، وكانوا نعم العلماء والقادة والدعاة،
وصنَّاع الحياة على منهاج النبوة.
لقد كان
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يستثمر طاقات الشباب،
ويوظِّفها أحسن توظيف، وهذه مهمة القادة على طول الزمن، ولا خير في
قائد لا يحسن توظيف الطاقات التي تحت يده.
من هنا، نجد أن رسول الله - صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم - درَّب كثيرًا من الشباب
على القيادة، ثم اعتمد عليهم في القيادة في أدق الظروف، وأعقد الأحوال؛
فمنح خالدًا - رضي الله عنه - وسام التشجيع، الذي كان دافعًا إلى مجد
أمة، بوصفه له أنه سيف الله المسلول، ومارس العمل والقيادة، وبقي هكذا
إلى أن وافته المنية.
وأمَّر على
الجيش - يومًا - أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، وكان في ريعان الشباب،
وفي الجيش كبارُ الصحابة.
وهكذا نمر
على مراحل التاريخ، لنجد هذه الحقيقة ماثلة أمامنا، شامخة بقوة، تحكي
صدق هذه الحقيقة، فيظهر كبار الأئمة في فنون متعددة؛ في الفقه،
والحديث، والتفسير، والقراءات، وغير ذلك من شعب العلم ومفرداته، وفي
القيادة أمثلة كثيرة من أمثال: عمر بن عبدالعزيز، وصلاح الدين الأيوبي،
ومحمد الفاتح، وغيرهم كثير، إلى أن نصل إلى عصرنا الحاضر؛ لنقف على
أسماء عملتْ أثرها في التجديد، والاجتهاد، والدعوة، والقيادة، والجهاد.
فالشباب
لا بد أن يأخذوا مكانهم في العمل، وعلى كل المستويات والمناحي كافة.
ومن القتل
للعمل ألاَّ يكون للشباب أثرهم، و"دورهم"،
ومكانتهم في العمل الدعوي، والتنظيم الإداري، والقيادة الميدانية؛ من
أجل إثراء العمل والنهوض به.
والشيوخ
تجرِبة طويلة، وخبرة واسعة، ورزانة متميزة، ووقار لافت، وهيبة تؤدي إلى
استقرار عمل، مع مضي بطول نفس، يوازنون بين الأمور مُوازنة تدفع نحو
ترجيح الأجود، وتدفع به في المسار الأصوب، فهم بيت الحكمة، ودار الرؤية
البعيدة، وموئل الفكرة الدافئة، مع غيرة تراكمية لا تُنكَر، قوامها
العطاء الطيب، وأساسها الثمرة اليانعة، وهم عبق التاريخ، وبسمة الحاضر،
واستشراف المستقبل، بلغةِ: "قليلٌ دائم
خيرٌ من كثير منقطع".
فالاستغناء
عنهم حماقة، والتخلي عنهم تنقصه اللباقة، ومطالبتهم التنحي عن كل شيء
ليس فيه وعي ولا حكمة.
فجُهد الشيوخ
عبر التاريخ أمر معروف معلوم، وما الخلفاء الراشدون - بعد تقدم أسنانهم
- عنا ببعيد في بناء الدولة، وصناعة مجد الأمة، ونشر الإسلام، وما
الفتوحات التي شملت كثيرًا من المعمورة إلا مثال صادق على هذا الذي
نذكره، ولو أردنا التوَسُّع في ذكر الأمثلة بهذا الصدد؛ لتطلب منا
كتابة مجلد.
فالعملُ
الإسلامي، والنشاط الدعوي، والحراك السياسي، والتفاعل العلمي والثقافي،
لا يعرف سنًّا محددة، ولا يعترف بما يُعرَف "بالتقاعد"، وهذه مسألة يقول بها
الناس كافة؛ لأن التقاعد إنما يكون في العمل الوظيفي.
أمَّا العمل
الدعوي، وحمل هَم الأمة؛ فيكون من المهد إلى اللحد، جهادًا في سبيل
الله، وجهدًا من أجل نصرة دين الله، وبذلاً من أجل عزِّ الأمة، وتضحية
لتكون معالم النهضة الحضارية سائدة ومنتشرة في ربوع الدنيا.
إذًا كيف يكون الحل؟
تتوازن المسألة - في تقديري - من خلال
ما يأتي:
1- أن تتشابك جهود الأجيال
شيوخًا وشبابًا، كلٌّ في موقعه، وعلى
كل المستويات؛ فمؤسسة لا شيوخ فيها تنقصها التجرِبة، وتفوتها الحكمة
أحايين كثيرةٍ، وتصيبها الهشاشة في المواقف وتقدير فقه المرحلة في بعض
الأحيان، ومؤسسة لا شباب فيها يصيبها
الترهل ويعتريها الخمول، وتنقصها - في الغالب - سلوكيات العمل الذي
يدور بلا توقف، ويعمل بلا كلل، وهذه سنة الله - تعالى - في خلقه.
لذا لا بد من
تشابك المهارات والقدرات، وتكاتف الجهود، والتقاء الأجيال على مائدة
واحدة، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يلغي فريق آخر، فإن حصل فهي مشكلة
تحتاج إلى معالجة.
2- ضرورة أن يحدث التغيير
المستمر، لكن في المواقع، والمشكلة التي تواجه العاملين للإسلام أنه
إذا انتهى رائد من عمله الذي هو قائم عليه؛ ففي كثير من الأحيان يركن
ويبعد، وهذا خطأ كبير، والأصل أن يتحول إلى مكان آخر من شعب العمل، في
مركز بحوث، أو مكتب تربية، أو دار تخطيط؛ فإهمال هذه القيادات خطأ
ومشكلة.
|
التسميات
- أبو إسحاق الحويني
- أحكام الصلاة
- أصحاب الرسول
- الإسلام
- الايمان
- البيت السعيد
- التربية الاسلامية
- التربية عن طريق.....
- الخلفاء الراشدين
- الدعوة إلى الله
- الرسائل
- الرسول
- الرسول صلى الله عليه وسلم و الحقوق
- السباب
- الصحابةالأجلاء
- الصلاة
- الصلاة المكتوبة
- العقيدة
- القرآن
- اللأمة الأربعة
- المرأة المسلمة
- المرأة في الاسلام
- المسلم الصغير
- تربية الاطفال
- دعوة نسائبة
- زاد الداعية
- صلاة التطوع
- صلاة المواسم
- علم النفس الإسلامي
- عن الرسول
- قصة الرسول
- قصص القرآن
- للنساء فقط
- مع الرسول
- معالم إسلامية
- مقالات دعوية
- مقالات نورانية
- مواضيع القرآن
- نحن و الاولاد
- نصائح للشباب
- islam
- islam-الاسلام
مختارة
الاحدث
أضف تعليق:
0 comments: