Navigation

الواجب نحو مشكلات الشباب

 

الواجب نحو مشكلات الشباب


https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgs2HJW7qiP8Z_60ZrrVDhHT1sgGJ6L2LWPdnYIoDgshKlrDV-A6avwqYG5p0QbxEl1KD0IxrXtetHpifVoLNDxQ4RhhRWReBQyD5IyON9EkmWF20XTGC6-8VZr70HurFekRQKGJJRBqLuw/s1600/ 
الشيخ الدكتور
عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي
عباد الله:
أرأيتم لو عَلِم أحدنا أنَّ هناك لصوصًا وقُطَّاع طُرق يتربَّصون به وبأهل بيته الدوائرَ، ويتحيَّنون عثراتهم، وينشدون غفلاتهم، أيَقَرُّ له قرارٌ؟ وهل يَهنأ بغمضٍ أو يستلذُّ بنومٍ؟ ولو غضَّ طرْفه عنهم وترَكهم يعيثون فسادًا، فما عسى الناس قائلين في حقِّه؟ وهل يوافقونه على تصرُّفه هذا، أو يعيبونه عليه؟ ثم لو كانت الخسارة متعلِّقة بشيءٍ من المال، لهان الخَطْب وصَغُر الأمر، ولكن إذا تعلَّقت الخسارة بفَلذات الأكباد ومُهَج النفوس الذين امتنَّ الله علينا بهم، فهنا الخسارة، فحين يَحرص الوالدان على صحة ابنهما البدنيَّة، ويهتمَّان بغذائه ومَلبسه، ويَغفلان عن صحَّته الدينيَّة والخُلقيَّة، فهنا الخسارة المركَّبة والخطأ الجسيم.
عباد الله:
هناك مظاهر في مجتمعاتنا تُرى من الشباب والمراهقين ووقائع تُروى تُثير العجب، وتستوقف الحريص الغيور؛ فهناك بعض التجمُّعات الشبابيَّة في الشوارع، وعند بعض المدارس، التي لا تخلو من العبث بالسيارات، وتعريض النفس والآخرين للخطر، وما يستغرب من التعلُّق الكبير بالسيارات وقائديها، ممن يُعرَف بالعبث بها، أو تكون من السيارات الفارهة التي تَخلب الألباب، وما يسمع عن بعض التجمُّعات في الاستراحات أو الشُّقق التي يجتمع فيها ثُلَّة من المراهقين والشباب، دون مُبرر سوى البُعد عن أعين الناس في غفلة من أهاليهم، وفي هذه العزب والشُّقق يأوي هؤلاء الشباب خلال أوقات الدراسة، حين يتخلَّفون عن مدارسهم وفي أوقات متفرِّقة، ورُبما اختلَط فيها الكبير بالغرِّ الصغير الجاهل، الذي لا يُدرك ما حوله، ولا يَفهم الهدف من إحضاره، وفيها تشاهد القنوات الفضائية التي تَعُجُّ بالرذيلة والفجور، وتَنشر الفحش عبر الأثير، وفيها يتعلَّم الجميع فنون تناول الدُّخَان والشيشة، وما نحا نحوها من الخبائث والنتن، وما ظنُّكم بثُلَّة مراهقين يختفون عن أعين الناس، وفيهم الطيِّب والخبيث؟ أتترُكهم شياطين الجن والإنس دون توريطهم فيما يَشين؟
وقد عَلِمنا يا عباد الله خُطورة مرحلة المراهقة، وما يَكتنفها من المخاطر، وما يُعانيه المراهق من الدوافع التي تدعوه للوقوع فيما حرَّم الله تعالى من الأفعال القبيحة، حين تحف به الأسباب الميسِّرة لذلك؛ من ضَعْف الإيمان، والخَواء الرُّوحي، والتهاون بالواجبات الشرعيَّة وعلى رأسها الصلاة، والفراغ الذي يجعل الفتى ميَّالاً إلى ما يُلهي ويُضيِّع الوقت فيما لا يُجدي، ناهيك عن صاحب السوء الذي يُحسِّن القبيح، ويدعو إلى الرذيل من الأفعال بقوله وفِعله، وما يَعمد إليه بعض الصِّغار من المبالغة في التجمُّل والتطيُّب، والتساهل في بعض الحركات المكروهة، والركوب مع مَن هبَّ ودَبَّ، والانصياع لأدنى تهديدٍ أو ترغيب، أضفْ إلى ذلك كله ما تَعُجُّ به وسائل الإعلام الوافدة عبر الأثير من مشاهد فاضحة، وصور فاتنة، تَسلُب لبَّ العاقل الكبير، فضلاً عن المراهق الغرير، وكم من الضَّحايا الذين سقطوا على أعتاب هذه القنوات، أو مواقع الإنترنت الخليعة.
كل ذلك يا عباد الله مما يُضاعف المسؤولية نحو أبنائنا وإخواننا، ويدعو كلَّ مسؤول إلى أن يتحمَّل مسؤوليَّته المُلقاة على عاتقه، ويُبرئ ذِمَّته أمام ربِّه.
إنها مسؤوليَّة جسيمة، وواجب أكيد يحمل عِبْأَه الآباء والأولياء والمعلِّمون، ومعهم الدُّعاة والناصحون والمسؤولون، وليست هذه المهمَّة بالسهلة اليسيرة؛ فالمراهق في أمَسِّ الحاجة إلى التربية البنَّاءة واليد الحانية التي ترفق به، وتأخذ بيده إلى مواطن الخير، وتُحَذِّره من مواطن الشر، وتُبَصِّره بما يهمُّه.
فالأبُ مسؤول عن رعيَّته التي استرعاه الله إيَّاها، ولو تفقَّد الأب أبناءه، وراعى أحوالهم - التي تتقلَّب من كونهم أطفالاً، ثم مراهقين، ثم شبابًا - لاستفاد الابن كثيرًا، فهل يعرف الأب جُلساء ابنه؟ ومع مَن يغدو ويروح؟ وأين يسهر؟ وإلامَ يذهب أو يسافر؟ وهل بصَّر ابنه بخطورة جُلساء السوء وقوَّة تأثيرهم؟
ألا وإن للبيت أثرًا لا يُنكَر في تَنشئة الأولاد، فهل يستوي البيت الذي لا تُسمع فيه المُنكرات ولا تُرَى، ولا تدخله وسائل الإفساد والتأثير السلبي، مع ذلك البيت الذي يستقبل كلَّ وافد عبر الفضاء من القنوات، أو عن طريق المجلات والصور الهابطة، ولا يُسمَع فيه قُرآن ولا ذِكر، ورُبما كان أهله ضُعَفاء في شأن الصلاة أو الستر والحجاب؟
ومهما بذَل المربُّون والنَّاصحون من الجهود في استصلاح الشباب والمراهقين، فإنَّ أثرهم لا يَعدل نصف الأثر الذي يتلقَّاه الابن والبنت من البيت والوالدين، وفي ذلك يقول الإمام ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى -: "فمَن أهمَل تعليم ولده ما ينفعه، وترَكه سُدًى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وتَرْك تعليمهم فرائضَ الدين وسُننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولَم ينفعوا آباءَهم كبارًا".
وهناك أدب قُرآني أرشَد القرآن الكريم إليه، ونحن في حاجة لاستحضاره وتطبيقه؛ ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5].
وقد عَلِم المربُّون ما تجرُّه وَفرة المال بيد المراهق في ظلِّ غفلة الرقيب، وكم يتألَّم العاقل حين يرى صبيًّا وبيده سيارة يصول بها ويجول، فكم آذى وتعدَّى وأزعَج الناس، وطالَما كانت السيارة سببًا في تغيُّر سلوك قائدها الصغير، فلنكن على عِلْمٍ بذلك يا عباد الله، ولننتَبه إليه إن كنَّا حقًّا ننشد صلاح أبنائنا وبناتنا، ونَطمح في كونهم شبابًا صالحين، بارين بوالديهم، نافعين لمجتمعهم، ومَن الذي لا يحب أن يكون ابنه متفوِّقًا في دراسته، حافظًا لكتاب الله تعالى، متميِّزًا في سلوكه وأخلاقه، دُرَّةً في أُسرته وبين أقاربه، مسارعًا إلى المسجد، حريصًا على العلم والاستفادة؟
إنَّ ذلك كله ليس بعزيز ولا مستحيل، فالهِمَّة العالية للوالدين تَصنع الرجال، وتُخرِّج أجيالاً، وممَّا يُشار إليه في تربية الأولاد: الحاجة إلى استعمال اللطف واللين، وتحسين العلاقة مع الأولاد، وجَعْلها أقربَ إلى الصَّداقة والمودَّة، فلا بدَّ من تَرْك الأساليب الجافة في التربية، وعلاج المشاكل لدى الأولاد، وقد قيل قديمًا في تربية الابن: لاعِبه سبعًا، وأدِّبه سبعًا، وصادِقه سبعًا؛ أي: لاعِبه في سِنيه الأولى، فإذا تَمَّ سبعًا من السنين وبلَغ سنَّ التمييز، يأتي حينذاك دور التربية والأدب، وتلقين المفاهيم والمُثُل الجميلة، وإذا أتَمَّ أربع عشرة سنة، وناهَز سنَّ التكليف، يأتي دور العلاقة الأخويَّة والصَّداقة التي تربط الوالد بولده، فيُعامل الابنُ معاملة الرجال شيئًا فشيئًا، ولا يَعني ذلك تَرْك الشِّدة في وقتها المناسب وبالأسلوب المناسب، فللِّين أوقاته وللشِّدة أوقاتها، وكلُّ خطأ يعالَج بحسبه، وقد قال الشاعر:
فَقَسا لِتَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا
فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ
ولو تأسَّيْنا بنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تعامُله مع صغار الصحابة، لرأينا الأثر الجميل والأدب الراقي الذي يصنَع الرجال، وكل ذلك قيامٌ بالواجب الذي أمرنا به؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وحديث: ((كلُّكم راعٍ...)).
عباد الله:
عَرَّجْنا في الجمعة الماضية على قضيَّة مهمَّة تتعلَّق بالشباب الذين هم زاد الأُمة وذُخرها، وبهم تَنهض الأُمة أو تكبو - بإذن الله تعالى.
وقد مضَت سُنَّة الله في خَلقه أن تُبتلى هذه الفئة من الناس بتغيُّرات نفسيَّة وعضويَّة بحُكم انتقال الشاب من مرحلة الطفولة واللَّهو إلى مرحلة الرجولة وسنِّ التكليف الشرعي، وإنَّ واجب المجتمع أن يتفهَّم هذه التغيُّرات، ويتعامل معها تعامُل الحاذق الحكيم الذي يُقَدِّر لهذه المرحلة العُمريَّة خُطورتها وأهميَّتها في تركيب مستقبل الفتى - بإذن الله تعالى - إذ إنَّ الخطأ في التعامل والتربية رُبما ولَّد آثارًا لا تُمحى مع مرور الزمن، وتَدَع بَصماتها على الشاب، ولئن كان للوالدين والبيت دورٌ كبير وأثرٌ فاعل في تربية الشاب، وعلاج قضاياه ومشاكله، فإنَّ للمعلِّمين والمربِّين دورًا آخرَ لا يقلُّ عنه أهميَّةً، فالشاب يتلقَّى من معلِّمه القِيَم السامية، ويتأثَّر بسلوك معلِّمه، ومتى أحسن المعلِّم تعامُلَه مع الشاب، وعرَف كيف يُخاطبه، واستَطاع كَسْب الطالب واحتواءَه، أثمرَ سلوكًا حسنًا، وأثرًا لا يُنكر.
فيا معشر المعلِّمين والمربِّين، ويا مسؤولي المدارس، ويا أيها القائمون عليها، إنَّ لكم دورًا لا يُنكر، وأثرًا لا يَخفى في استصلاح أبنائنا من الشباب والمراهقين، فلا بدَّ من معرفة واقعهم، وما يعانونه من تغيُّرات عضويَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة.
يا معشر المعلِّمين:
ضَعوا نُصب أعينكم حاجةَ الشاب إلى اليد الحانية والقلب المُشفق، الذي يأخذ بيده إلى برِّ الأمان، ويُلقِّنه ما يُفيده من القِيَم والمُثُل التي تُحيي قلبه، وتُشعره بانتمائه لدِينه، وتَجعله يعتزُّ بكونه مسلمًا، ولا بدَّ أن يُحسن المعلم الدخول إلى عالم الشاب، وأنْ يبحث عن الأساليب المناسبة في علاج مشاكله، وأنْ يستغلَّ الفرص في ذلك بما يهمُّ الشاب، ويُثير عوامل الخير فيه، والداعية والمربي الحصيف هو ذلك الذي يتحسَّس ما يُعانيه الشباب والمراهقون، ثم يبذل جُهده في طرْح الحلول والعلاجات المناسبة، بعيدًا عن التهويل والتصريح المُزعج، كما لا يكون تلميحًا لا يُفهَم ما وراءه، وما أجمل استعمال أسلوب النُّصح المباشر في وقته المناسب، وبالطريقة المناسبة البنَّاءة.
ويَحسُن أن يتولَّى هذا النوع من مشاكل الطلاب الأساتذة القديرون الثِّقات، الذين يؤتَمنون على أسرار الناس، ويُجيدون حلَّ المشاكل، وغنيٌّ عن القول أنْ تُنَبَّه إدارة المدرسة ومعلِّموها لما قد يَحدث من الطلاب أو بينهم من القضايا غير الأخلاقيَّة قيامًا بالواجب، والتخلِّي عنه أو التساهُل في العلاج، يعود بالضرر على الطلاب وعلى عمليَّة التربية بكاملها، كما لا يخفى الأثر البالغ الذي تترُكه زيارات الدُّعاة والناصحين إلى المدارس، ولُقيا الطلاب والحديث معهم فيما يهمُّهم، وفي ذلك خطواتٌ جيِّدة تَشهدها بعض مدارسنا، والحاجة قائمةٌ للمزيد منها.
أمَّا رجال الأمن على اختلاف جهاتهم، فلهم دورٌ آخر نحو مشاكل الشباب والمراهقين، يتمثَّل في الآتي:
1- أن يتولَّى التحقيق في قضايا الأعراض والأخلاق المحقِّقون الأُمناء الثِّقات، الذين يحملون همَّ استصلاح المجتمع، ويُجيدون التعامل مع هذه القضايا.
2- المحافظة على أسرار ما قد يحدث من القضايا، أو يُضبَط من المحظورات.
3- التنبُّه للتجمُّعات المُريبة، والتواصُل الجاد مع المختصين من رجال الحِسبة في متابعتها، ورَصْد أنشطتها التي قد يكون ضحاياها أبناء المسلمين.
4- ضرورة الحد من العبث بالسيارات، واستعراض المراهقين بها، والحَزْم في هذه المخالفات، وتطبيق العقوبات على الجميع، دون محاباة أو تَغاضٍ عن البعض من المخالفين.
5- استشعار رجل الأمن أنَّه مسؤول عمَّا يراه، أو يُبلغ عنه، وأنْ تخلِّيَه عن واجبه يُعتبر خيانة للأمانة، وظُلمًا للنفس والمجتمع، وقد يكون ضحيَّة هذا التهاون أقربَ الناس إليه.
6- أن يعلم رجل الأمن أنَّ خطورة القضايا غير الأخلاقيَّة، لا تقلُّ أهميَّة عن الحوادث الجنائيَّة إن لم تكن أهمَّ منها، وأحيانًا تكون القضايا غير الأخلاقيَّة سببَ الحوادث الجنائيَّة أو امتدادًا لها.
ولرجال الحِسبة دور فاعل أيضًا في منْع ما يخلُّ بالدين والخُلق؛ فهم رجال الأمن الخُلقي، ولهم دور مهم في حِفظ عورات المسلمين، وكَبْحِ جِماح ذَوِي الشهوات، وللبلديَّة إسهامها في علاج مشكلتنا هذه، بالمسارعة في إزالة المباني المهجورة القديمة، التي ربما كانت أوكارًا لبعض ضُعفاء النُّفوس.
عباد الله:
إنَّ قضيَّتنا هذه مسؤوليَّة الجميع، فعلى الأب أنْ يربي أولاده، ويُنشئهم على معالي الأمور، وعلى المدرسة ومُعلِّميها وإدارتها أن تستكمل العمليَّة التربوية بالمحافظة على ما تعلَّمه الشابُّ من الخير، وتزويده بما يَنفعه، وعلى الدُّعاة والناصحين الحِرْص على تقويم الاعوِجاج بالحِكمة والموعظة الحسَنة، والصبر على الأذى وتحمُّل ما قد يظهر من سوء تعامُل، وعلى المسؤول المكلَّف القيام بمهامه وأداء وظيفته في تعديل الخطأ، ومَنْع وقوع الجريمة بحُكم ما لديه من ولاية وسلطة فُوِّضَتْ إليه من وُلاة الأمور، وقد قال عثمان - رضي الله عنه -: "إنَّ الله ليَزع بالسُّلطان ما لا يَزع بالقرآن".
أي: إنَّ لذَوِي السلطة من الأثر في مَنْع التعدِّي على الحُرمات والرَّدع لِمَن يتجاوزها، ما قد يفوق أثر القرآن الكريم، فالناس مختلفو الأهواء والمشارب، ولكلٍّ حاجات وشهوات؛ منهم مَن يصدُّه الخوف من الله عن الوقوع في المحظور، وتَمنعه قوارع الكتاب والسُّنة عن مقارفة الحرام، ومنهم مَن لا يصده إلاَّ سطوة حاكم وقوَّة مسؤول، ولو تُرِك الناس لشهواتهم دون حسيبٍ أو رقيب لرتَع الكثيرون؛ ولذا جاء الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضَّح القرآن أثر ذلك في صلاح الأُمم والمجتمعات، وأنه لا غنى لأي مجتمع عن القيام بهذه الشعيرة العظيمة؛ ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]. ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
وبيَّن الله - سبحانه - أن خيريَّة هذه الأُمة مَنوطة بالقيام بهذه الشعيرة، فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
ومتى ما قام الجميع بواجبه، وتمكَّن التعاون على البر والتقوى في نفوس الجميع، واستشعَر كلُّ واحد دورَه المنوط به بإتقانٍ، فإنَّ العاقبة حميدة - بإذن الله تعالى.
اللهم احْفَظ لنا دينَنا وأمْنَنا، اللهمَّ احفظ شبابنا وارزقْهم الصَّلاح والثبات، واجْعَلهم قُرَّة عينٍ لوالديهم ومجتمعهم.

الخطبة الثانية

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، تلك إشارات إلى قضيَّة مهمَّة لا بدَّ من التعرُّض لها؛ قيامًا بالواجب، وتذكيرًا بالمسؤوليَّة، وذلك شيء من دور الوالد في علاجها، وللمعلِّمين والمربِّين دورٌ آخَر في علاجها ومُراعاتها، ومن ورائهم دور رجال الحِسبة والأمن الذين أُنيط بهم حِفْظ الأمن وسَتْر عورات المسلمين، وإن الحاجة إلى طرْح هذه القضية قائمة في جميع مجتمعات المسلمين في عصرنا هذا، فهي بلوى عامَّة، لا تَعني بلدًا دون آخر، وأوَّل العلاج معرفة المرض وتلمُّس أسبابه، وبيان المتخصِّص في علاجه، والله المستعان وعليه التُّكلان.
فلئن خاطَبنا الجميع وطلبنا القيام بالواجب، فإنَّ هناك همسة أهمسُ بها في أُذن كلِّ شاب؛ علَّها أن توافق أذنًا صاغية وقلبًا مُقبلاً:
أخي الشاب، تذكَّر أنَّ الله تعالى قد خلَقنا لعبادته، ولَم يَخلقنا لنرتَع في الشهوات والمعاصي؛  ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
تذكَّر أنَّ الاستقامة على الطاعة وترْك المعاصي، يُوصلانك إلى الجنَّة التي فيها من النعيم والأُنس  ما لَم يخطر على قلب بشرٍ، نعيم لا انقطاعَ له، وسعادة لا مُنغِّصَ لها؛ ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71].
تذكَّر أيها الشاب أنَّك أملُ والديك، وبك يفخران ويعتزَّان، ولك يبذلان من الوقت والجهد والمال الكثير، لتشبَّ صالحًا نافعًا لِمَن حولك، فلا تُخيِّب ظنَّهما، تذكَّر أنَّك أملُ الدُّعاة والمربين الذين يحتسبون الأجْر في إرشادك وتعليمك وتوجيهك، تذكَّر أنَّ لك إخوانًا قد ضَرَبوا مُثُلاً عُليا في الاستقامة والصلاح؛ قد حَفِظوا من كتاب الله تعالى الكثير، وقرَّت أعينهم ببِرِّ والديهم، ارتفَعت هِمَمهم عن سَفاسف الأمور، وطَمَحت إلى مَعاليها، برَزوا في دِراستهم، وفاقوا أقْرانهم، عُرِفوا بالخُلق الجميل، فأحبَّهم الناس وأَلِفوهم، إن حضروا مَحفلاً أُشير إليهم، وإن غابوا فُقِدوا، وهم بحمد الله كثيرٌ، فلا تَقعد بك هِمَّتك عن اللحاق برَكْبهم، فاستعنْ بالله وتوكَّل عليه، واعْلَم أنَّ للشاب الذي نشأ في طاعة الله جزاءً عظيمًا؛ ففي الصحيحين: ((سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظله: إمام عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله - عزَّ وجلَّ ...)).
 نسأل الله تعالى أنْ يَجعلك أيها الشاب عبدًا لله صالحًا، ولأُمَّتك نافعًا.
اللهم احْفَظنا واحْفَظ أولادنا، اللهم آمِن رَوعاتنا، واستُر عوراتنا، ربَّنا هبْ لنا من أزواجنا وذريَّاتنا قُرَّة أعين، واجْعَلنا للمتقين إمامًا، أقول قولي هذا

مشاركة
Banner

chalhaoui

هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة، لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف

أضف تعليق:

0 comments: